للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" طَعِمُوا" أَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْأَكْلِ، يُقَالُ: طَعِمَ الطَّعَامَ وَشَرِبَ الشَّرَابَ، لَكِنْ قَدْ تُجُوِّزَ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ: لَمْ أَطْعَمَ خُبْزًا وَلَا مَاءً وَلَا نَوْمًا، قَالَ الشاعر:

نعاما بوجرة «١» صفر الْخُدُو ... دِ لَا تَطْعَمُ النَّوْمَ إِلَّا صِيَامَا

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» فِي قَوْلِهِ تعالى:" وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ"] البقرة: ٢٤٩] بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةِ. السَّادِسَةُ- قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَنَاوُلَ الْمُبَاحِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالِانْتِفَاعَ بِكُلِّ لَذِيذٍ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَنْكَحٍ وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ وَتُنُوهِيَ فِي ثَمَنِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ"] المائدة: ٨٧] وَنَظِيرُ قَوْلِهِ:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ" «٣»] الأعراف: ٣٢]. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ التَّقْوَى تَكْرَارٌ، وَالْمَعْنَى اتَّقَوْا شُرْبَهَا، وَآمَنُوا بِتَحْرِيمِهَا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي دَامَ اتِّقَاؤُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ، وَالثَّالِثُ عَلَى مَعْنَى الْإِحْسَانِ إِلَى الِاتِّقَاءِ. وَالثَّانِي: اتَّقَوْا قَبْلَ التَّحْرِيمِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا شُرْبَهَا، ثُمَّ اتَّقَوْا فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ «٤»، وَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ. الثَّالِثُ- اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي ثُمَّ اتَّقَوُا الْكَبَائِرَ، وَازْدَادُوا إيمانا، ومعنى الثَّالِثُ ثُمَّ اتَّقَوُا الصَّغَائِرَ وَأَحْسَنُوا أَيْ تَنَفَّلُوا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: الِاتِّقَاءُ «٥» الْأَوَّلُ هُوَ الِاتِّقَاءُ بِتَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالدَّيْنُونَةِ بِهِ وَالْعَمَلِ، وَالِاتِّقَاءُ الثَّانِي، الِاتِّقَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان، والتقرب بالنوافل.


(١). وجرة: موضع بين مكة والبصرة، يقول الشاعر: هي صائمة منه لا تطعمه، وروى في اللسان (لا تطعم الماء) وقال: وذلك لان النعام لا ترد الماء ولا تطعمه. وقبله:
فأما بنو عامر بالنار ... غداة لقونا فكانوا نعاما

(٢). راجع ج ٣ ص ٢٥٢.
(٣). راجع ج ٧ ص ١٩٥.
(٤). في ع: أعمارهم.
(٥). لعل قول ابن جرير هو الرابع.