للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبُرْقَانِيِّ «١» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْجَارُودُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ قَدْ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَإِنِّي إِذَا رَأَيْتُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ حَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَعَا عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: عَلَامَ تَشْهَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَهُ حِينَ شَرِبَ، وَرَأَيْتُهُ سَكْرَانَ يقي، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ تَنَطَّعْتَ «٢» فِي الشَّهَادَةِ، ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى قُدَامَةَ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ قُدَامَةُ وَالْجَارُودُ بِالْمَدِينَةِ كَلَّمَ الْجَارُودُ عُمَرَ، فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ: أَشَهِيدٌ أَنْتَ أَمْ خَصْمٌ؟ فَقَالَ الْجَارُودُ: أَنَا شَهِيدٌ، قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَدَّيْتُ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ! فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ لَتَمْلِكَنَّ لِسَانَكَ أَوْ لَأَسُوءَنَّكَ، فَقَالَ الْجَارُودُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا ذَلِكَ بِالْحَقِّ، أَنْ يَشْرَبَ ابْنُ عَمِّكَ وَتَسُوءَنِي! فَأَوْعَدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ جَالِسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْ شَهَادَتِنَا فَسَلْ بِنْتَ الْوَلِيدِ امْرَأَةَ ابْنِ مَظْعُونٍ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى هِنْدٍ يَنْشُدُهَا بِاللَّهِ، فَأَقَامَتْ هِنْدٌ عَلَى زَوْجِهَا الشَّهَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا قُدَامَةُ إِنِّي جَالِدُكَ، فَقَالَ قُدَامَةُ: وَاللَّهِ لَوْ شَرِبْتَ- كَمَا يَقُولُونَ- مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَجْلِدَنِي يَا عُمَرُ. قَالَ: وَلِمَ يَا قُدَامَةُ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:" لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا" الْآيَةَ إِلَى" الْمُحْسِنِينَ". فَقَالَ عُمَرُ: أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا دَامَ وَجِعًا «٣»، فَسَكَتَ عُمَرُ عَنْ جَلْدِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا دَامَ وَجِعًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَحْتَ السَّوْطِ، أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ فِي عُنُقِي! وَاللَّهِ لَأَجْلِدَنَّهُ، ائْتُونِي بِسَوْطٍ، فَجَاءَهُ مَوْلَاهُ أَسْلَمُ بِسَوْطٍ رَقِيقٍ صَغِيرٍ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لِأَسْلَمَ: أَخَذَتْكَ دِقْرَارَةُ «٤» أَهْلِكَ، ائْتُونِي بِسَوْطٍ غَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَجَاءَهُ أَسْلَمُ بِسَوْطٍ تَامٍّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ،


(١). البرقاني (بفتح الموحدة وسكون الراء): هذه النسبة إلى قرية كانت بنواحي خوارزم وخربت، وصارت مزرعة. (الأنساب) للسمعاني.
(٢). تنطع في الكلام: تعمق وغالى.
(٣). وجع: مريض.
(٤). الدقرارة (واحدة الدقارير): وهي الأباطيل وعادات السوء، أراد أن عادة السوء التي هي عادة قومك، وهي العدول عن الحق والعميل بالباطل (؟؟؟؟) وعرضت لك فعملت بها، وكان أسلم عبدا بجاويا.