للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- أَمَّا الْهَدْيُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَكَّةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ". وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ هَلْ يَكُونُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمَوْضِعِ الْإِصَابَةِ، وَإِلَى كَوْنِهِ بِمَكَّةَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ طَعَامٍ فَبِمَكَّةَ وَيَصُومُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الصَّوْمِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ شي مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ الْحَرَمِ إِلَّا الصِّيَامَ. وَقَالَ حَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُكَفِّرُ بِمَوْضِعِ الْإِصَابَةِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يُكَفِّرُ حَيْثُ شَاءَ مُطْلَقًا، فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ، وَلَا أَثَرَ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَصُومُ حَيْثُ شَاءَ، فَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالصَّائِمِ فَتَكُونُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَصِيَامِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّعَامَ يَكُونُ بِمَكَّةَ، فَلِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ أَوْ نَظِيرٌ لَهُ، وَالْهَدْيُ حَقٌّ لِمَسَاكِينَ مَكَّةَ، فَلِذَلِكَ يَكُونُ بِمَكَّةَ بَدَلُهُ أَوْ نَظِيرُهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ، فَاعْتِبَارٌ بِكُلِّ طَعَامٍ وَفِدْيَةٍ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) الْعَدْلُ وَالْعِدْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَهُمَا الْمِثْلُ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَيُؤْثَرُ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الْكِسَائِيِّ، تَقُولُ: عِنْدِي عَدْلُ دَرَاهِمِكَ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَعِنْدِي عَدْلُ دَرَاهِمِكَ مِنَ الثِّيَابِ، وَالصَّحِيحُ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمَاثِلَ الصِّيَامُ الطَّعَامَ فِي وَجْهٍ أَقْرَبَ مِنَ الْعَدَدِ. قَالَ مَالِكٌ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِنْ زَادَ عَلَى شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا يُقَالُ كَمْ مِنْ رَجُلٍ يَشْبَعُ من هذا الصيد فيعرف الْعَدَدُ، ثُمَّ يُقَالُ: كَمْ مِنَ الطَّعَامِ يُشْبِعُ هَذَا الْعَدَدَ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّعَامَ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَدَدَ أَمْدَادِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ احْتَاطَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الصَّيْدِ مِنَ الطَّعَامِ قَلِيلَةً، فَبِهَذَا النَّظَرِ يَكْثُرُ الإطعام. ومن أهله الْعِلْمِ مَنْ لَا يَرَى أَنْ يَتَجَاوَزَ فِي صِيَامِ الْجَزَاءِ شَهْرَيْنِ، قَالُوا: لِأَنَّهَا أَعْلَى الْكَفَّارَاتِ. واختاره ابن العربي. وقال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِفِدْيَةِ الْأَذَى.