قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَكُلُوهَا وَارْفَعُوا نَصِيبِي مِنْهَا، وَكَانَ صَائِمًا. وَأَسْنَدَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي طَلْحَةَ أَصَابُوا سَمَكَةً طَافِيَةً فَسَأَلُوا عَنْهَا أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: أَهْدُوهَا إِلَيَّ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْحُوتُ ذَكِيٌّ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ، رَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَهَذِهِ الْآثَارُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَتُخَصِّصُ عُمُومَ الْآيَةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُ خِنْزِيرَ الْمَاءِ مِنْ جِهَةِ اسْمِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ وَقَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا! وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَقَالَ اللَّيْثُ: لَيْسَ بِمَيْتَةِ الْبَحْرِ بَأْسٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَلْبُ الْمَاءِ وَفَرَسُ الْمَاءِ. قَالَ: وَلَا يُؤْكَلُ إِنْسَانُ الْمَاءِ وَلَا خِنْزِيرُ الْمَاءِ. الرَّابِعَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هَلْ يَحِلُّ صَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ: كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَلَهُ فِيهِ حَيَاةٌ فَهُوَ صَيْدُ الْبَرِّ، إِنْ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَدَاهُ، وَزَادَ أَبُو مِجْلَزٍ فِي ذَلِكَ الضَّفَادِعَ وَالسَّلَاحِفَ وَالسَّرَطَانَ. الضَّفَادِعُ وَأَجْنَاسُهَا حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا خِلَافَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الضِّفْدَعِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا لَهُ شَبَهٌ فِي الْبَرِّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَكْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْخِنْزِيرِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ، وَهُوَ لَهُ شَبَهٌ فِي الْبَرِّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ. وَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ التِّمْسَاحُ وَلَا الْقِرْشُ «١» وَالدُّلْفِينُ، وَكُلُّ مَا لَهُ نَابٌ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمِنْ هَذِهِ أَنْوَاعٌ لَا زَوَالَ لَهَا مِنَ الْمَاءِ فَهِيَ لَا مَحَالَةَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَعَلَى هَذَا خُرِّجَ جَوَابُ مَالِكٍ فِي الضَّفَادِعِ فِي" الْمُدَوَّنَةِ" فَإِنَّهُ قَالَ: الضَّفَادِعُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُرَاعَى أَكْثَرُ عَيْشِ الْحَيَوَانِ، سُئِلَ عَنِ ابْنِ الْمَاءِ أَصَيْدُ بَرٍّ هُوَ أَمْ صَيْدُ بَحْرٍ؟ فَقَالَ: حَيْثُ يَكُونُ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنْهُ، وَحَيْثُ يُفَرِّخُ فَهُوَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالصَّوَابُ فِي ابْنِ الْمَاءِ أَنَّهُ صَيْدُ بَرٍّ يَرْعَى وَيَأْكُلُ الْحَبَّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَنْعُهُ، لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ، دليله تَحْلِيلٍ وَدَلِيلُ تَحْرِيمٍ، فَيُغَلَّبُ دَلِيلُ التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا. والله أعلم.
(١). القرش: دابة مفترسة من دواب البحر الملح. والدلفين بالضم دابة بحرية تنجي الغريق، والعامة تقول: الدرفيل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute