للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً" «١»] الأعراف: ٥٨]. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" «٢»] ص: ٢٨] وَقَوْلُهُ" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

" «٣»] الجاثية: ٢١]، فَالْخَبِيثُ لَا يُسَاوِي الطَّيِّبَ مِقْدَارًا وَلَا إِنْفَاقًا، وَلَا مَكَانًا وَلَا ذَهَابًا، فَالطَّيِّبُ يَأْخُذُ جِهَةَ الْيَمِينِ، وَالْخَبِيثُ يَأْخُذُ جِهَةَ الشِّمَالِ، وَالطَّيِّبُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْخَبِيثُ فِي النَّارِ وَهَذَا بَيِّنٌ. وَحَقِيقَةُ الِاسْتِوَاءِ الِاسْتِمْرَارُ فِي جِهَةٍ «٤» وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ الِاسْتِقَامَةُ وَضِدُّهَا الِاعْوِجَاجُ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفْسَخُ وَلَا يُمْضَى بِحَوَالَةِ سُوقٍ، وَلَا بِتَغَيُّرِ بَدَنٍ، فَيَسْتَوِي فِي إِمْضَائِهِ مَعَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، بَلْ يُفْسَخُ أَبَدًا، وَيُرَدُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُبْتَاعِ إِنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا قَبَضَهُ بِشُبْهَةِ عَقْدٍ. وَقِيلَ: لَا يُفْسَخُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا فُسِخَ وَرُدَّ بَعْدَ الْفَوْتِ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ وَغَبْنٌ عَلَى الْبَائِعِ، فَتَكُونُ السِّلْعَةُ تُسَاوِي مِائَةً وَتُرَدُّ عَلَيْهِ وَهِيَ تُسَاوِي عِشْرِينَ، وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ [. قُلْتُ: وَإِذَا تُتُبِّعَ هَذَا الْمَعْنَى فِي عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي مَسَائِلَ الْفِقْهِ تَعَدَّدَتْ وَكَثُرَتْ، فَمِنْ ذَلِكَ الْغَاصِبِ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- إِذَا بَنَى فِي الْبُقْعَةِ المغصوبة أو غرس إنه يَلْزَمُهُ قَلْعُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، لِأَنَّهُ خَبِيثٌ، وَرَدُّهَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُقْلَعُ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهَا الْقِيمَةَ. وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ «٥» حَقٌّ [. قَالَ هِشَامٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ وَاحْتُفِرَ وَغُرِسَ فِي غَيْرِ حَقٍّ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فزرعها، أو إكراها، أو دارا فسكنها


(١). راجع ج ٧ ص ٢٣١.
(٢). راجع ج ١٥ ص ١٩١.
(٣). راجع ج ١٦ ص ١٦٥.
(٤). في ب وج وك وهـ وع: حرمة.
(٥). الرواية (لعرق) بالتنوين، وهو على حذف مضاف أي لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق. وإن روى (عرق) بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق والحق للعرق وهو أحد عروق الشجرة. (غاية النهاية).