للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَوْلِهِ] وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ [التَّكْثِيرُ مِنَ السُّؤَالِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَنَطُّعًا، وَتَكَلُّفًا فِيمَا لَمْ يُنَزَّلْ، وَالْأُغْلُوطَاتُ وَتَشْقِيقُ الْمُوَلَّدَاتِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ «١»، وَيَقُولُونَ: إِذَا نَزَلَتِ النَّازِلَةُ وُفِّقَ الْمَسْئُولُ لَهَا. قَالَ مَالِكٌ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ هَذَا الْبَلَدِ وَمَا عِنْدَهُمْ عِلْمٌ غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ جَمَعَ الْأَمِيرُ لَهَا مَنْ حَضَرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنْفَذَهُ، وَأَنْتُمْ تُكْثِرُونَ الْمَسَائِلَ وَقَدْ كَرِهَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ كَثْرَةُ سُؤَالِ النَّاسِ الْأَمْوَالَ وَالْحَوَائِجَ إِلْحَاحًا وَاسْتِكْثَارًا، وَقَالَهُ أَيْضًا مَالِكٌ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَسَاوِئِهِمْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً" «٢»] الحجرات: ١٢]. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَلِذَلِكَ قَالَ] بَعْضُ [«٣» أَصْحَابِنَا مَتَى قُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ شي يَشْتَرِيهِ لَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَحَمَلَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّلَامَةِ وَالصِّحَّةِ. قُلْتُ: وَالْوَجْهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ «٤». الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ تَحْرِيمَ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ حَتَّى تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إِنَّمَا كَانَ فِيمَا تَقَعُ الْمَسَاءَةُ فِي جَوَابِهِ، وَلَا مَسَاءَةَ فِي جَوَابِ نَوَازِلِ الْوَقْتِ فَافْتَرَقَا. قُلْتُ قَوْلُهُ: اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ فِيهِ قُبْحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَقُولَ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ، لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا كَانَ أَوْلَى بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ يَكْرَهُهَا. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَذُكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ كَانَ حَدَّثَ فِيهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ قَالَ فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ. وَأَسْنَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مسألة فقال:


(١). أي لا يجب إلا ببيان، قال ابن العربي قوله تعالى: (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) يشهد لكونها من باب التكليف الذي لا يبينه إلا نزول القرآن وجعل نزول القرآن سببا لوجوب الجواب.
(٢). راجع ج ١٦ ص ٣٣٠.
(٣). من ع.
(٤). وجد في ى سند عن الشيخة شهده بنت أبي نصر الدينوري لحادثة تركناه لوروده في ج ١٠ ص ٥.