للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَوْحِيدِي؟ " قالُوا" أَيْ فَيَقُولُونَ:" لَا عِلْمَ لَنا" وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ:" لَا عِلْمَ لَنا" فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لَنَا بِبَاطِنِ مَا أَجَابَ بِهِ أُمَمُنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، فَحُذِفَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ بِخِلَافٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لنا إلا علم أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَذْهَلُونَ «١» مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ وَيَفْزَعُونَ مِنَ «٢» الْجَوَابِ، ثُمَّ يجيبون بعد ما تَثُوبُ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ فَيَقُولُونَ:" لَا عِلْمَ لَنا" قاله الحسن وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. قُلْتُ: هَذَا فِي أَكْثَرِ مَوَاطِنَ الْقِيَامَةِ، فَفِي الْخَبَرِ] إِنَّ جَهَنَّمَ إذا جئ بِهَا زَفَرَتْ زَفْرَةً فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ وَلَا صِدِّيقٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] خَوَّفَنِي جِبْرِيلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَبْكَانِي فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ أَلَمْ يُغْفَرْ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ لَتَشْهَدَنَّ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَا يُنْسِيكَ الْمَغْفِرَةَ [. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عِنْدَ زَفْرَةِ جَهَنَّمَ- كَمَا قاله بَعْضُهُمْ- فَقَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ صَحِيحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى: مَاذَا أُجِبْتُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لِيَكُونَ هَذَا تَوْبِيخًا لِلْكُفَّارِ، فَيَقُولُونَ: لَا عِلْمَ لَنَا، فَيَكُونُ هَذَا تَكْذِيبًا لِمَنِ اتَّخَذَ الْمَسِيحَ إِلَهًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ:" مَاذَا أُجِبْتُمْ" مَاذَا عَمِلُوا بَعْدَكُمْ؟ قَالُوا:" لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُشْبِهُ هَذَا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:] يَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ الْحَوْضَ فَيَخْتَلِجُونَ «٣» فَأَقُولُ أُمَّتِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ [. وَكَسَرَ الْغَيْنَ [مِنَ الْغُيُوبِ] «٤» حَمْزَةُ [وَالْكِسَائِيُّ] «٥» وَأَبُو بَكْرٍ، وَضَمَّ الْبَاقُونَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ سَأَلَهُمْ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ سَأَلَهُمْ لِيُعْلِمَهُمْ مَا لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ كُفْرِ أُمَمِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. الثَّانِي- أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَفْضَحَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ ليكون ذلك نوعا من العقوبة لهم.


(١). في ك: يرهبون.
(٢). في ب وج وهـ وع وى: عن.
(٣). أي يجتذبون ويقتطعون.
(٤). من ك.
(٥). من ك وع. والذي في السمين وروح المعاني: أبو بكر وحمزة.