للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ تَأَوَّلَ ذَلِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن اللَّهَ «١» زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيَتِ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَلَّا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَلَّا يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلَّا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ «٢» وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا- أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا (. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَاقَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ صَلَاتِهِ جَاءَهُ خَبَّابٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ نَحْوَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَجَلْ إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُلْبِسَنَا شِيَعًا فَمَنَعَنِيهَا". وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ:" يَا جِبْرِيلُ مَا بَقَاءُ أُمَّتِي عَلَى ذَلِكَ"؟ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ:" إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ فَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ لِأُمَّتِكَ) فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَصَلَّى وَأَحْسَنَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ دَعَا فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ:" يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَأَجَارَهُمْ مِنْ خَصْلَتَيْنِ وَهُوَ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ". فَقَالَ: (يَا جِبْرِيلُ مَا بَقَاءُ أُمَّتِي إِذَا كَانَ فِيهِمْ أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيُذِيقُ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ"؟ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:" الم. أَحَسِبَ النَّاسُ


(١). زوى: جمع.
(٢). أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم.