عَامَ خَيْبَرَ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَالْحَشَرَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَالْحُمُرِ مِمَّا لَيْسَ مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مُحَرَّماً" قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَفْظَةُ التَّحْرِيمِ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا صَالِحَةٌ أَنْ تَنْتَهِيَ بِالشَّيْءِ الْمَذْكُورِ غَايَةَ الْحَظْرِ وَالْمَنْعِ، وَصَالِحَةٌ (أَيْضًا) ١ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَنْ تَقِفَ دُونَ الْغَايَةِ فِي حَيِّزِ الْكَرَاهَةِ وَنَحْوِهَا، فَمَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ التَّسْلِيمِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَأَجْمَعَ الْكُلُّ مِنْهُمْ وَلَمْ تَضْطَرِبْ فِيهِ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ وَجَبَ بِالشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ قَدْ وَصَلَ الْغَايَةَ مِنَ الْحَظْرِ وَالْمَنْعِ، وَلَحِقَ بِالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَهَذِهِ صِفَةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَمَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ اضْطِرَابِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ وَاخْتَلَفَتِ الْأَئِمَّةُ فِيهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ). وَقَدْ وَرَدَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، فَجَازَ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ لِمَنْ يَنْظُرُ أَنْ يَحْمِلَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ عَلَى الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ الْكَرَاهَةُ وَنَحْوُهَا. وَمَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ التَّأْوِيلِ كَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ فَتَأَوَّلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الْحَاضِرِينَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِئَلَّا تَفْنَى حَمُولَةُ النَّاسِ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ التَّحْرِيمَ الْمَحْضَ. وَثَبَتَ فِي الْأُمَّةِ الِاخْتِلَافُ فِي تَحْرِيمِ لَحْمِهَا، فَجَائِزٌ لِمَنْ يَنْظُرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَحْمِلَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ عَلَى الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ الْكَرَاهَةُ وَنَحْوُهَا نحوها «١» (بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَقِيَاسِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا عَقْدٌ حَسَنٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي سَبَبِ الْخِلَافِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحِمَارَ لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّهُ أَبْدَى جَوْهَرَهُ الْخَبِيثَ حَيْثُ نَزَا عَلَى ذَكَرٍ وَتَلَوَّطَ، فَسُمِّيَ رِجْسًا. قَالَ مُحَمَّدُ بن سيرين: ليس شي مِنَ الدَّوَابِّ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إِلَّا الْخِنْزِيرَ وَالْحِمَارَ، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ. الثَّالِثَةُ- رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عفو، وتلا هذه الآية
(١). من ك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute