وَالْحُجَّةُ لَهُ حَدِيثُ مِلْقَامَ «١» بْنِ تَلِبِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْفَأْرَةِ: مَا هِيَ بِحَرَامٍ، وَقَرَأَتْ" قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً". وَمِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَمَاعَةٌ لَا يُجِيزُونَ أَكْلَ كل شي مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ وَهَوَامِّهَا، مِثْلَ الْحَيَّاتِ وَالْأَوْزَاغِ وَالْفَأْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَكُلُّ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَكْلُهُ، وَلَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ عِنْدَهُمْ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَعُرْوَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَا يؤكل عند مالك وأصحابه شي مِنْ سِبَاعِ الْوَحْشِ كُلِّهَا، وَلَا الْهِرُّ الْأَهْلِيُّ وَلَا الْوَحْشِيُّ لِأَنَّهُ سَبُعٌ. وَقَالَ: وَلَا يُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَلَا الثَّعْلَبُ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ كُلِّهَا: الرَّخَمُ وَالنُّسُورُ وَالْعِقْبَانُ وَغَيْرُهَا، مَا أَكَلَ الْجِيَفَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَأْكُلْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الطَّيْرُ كُلُّهُ حَلَالٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الرَّخَمَ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ أَكْلَ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَأَنْكَرَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ). وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْفِيلِ إِذَا ذُكِّيَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ. وَكَرِهَ النُّعْمَانُ وَأَصْحَابُهُ أَكْلَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ. وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الضِّبَاعَ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ، عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع، ولم يخصي سَبُعًا مِنْ سَبُعٍ. وَلَيْسَ حَدِيثُ الضَّبُعِ الَّذِي خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا مِمَّا يُعَارِضُ بِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ، لِأَنَّهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، وَلَيْسَ مَشْهُورًا بِنَقْلِ الْعِلْمِ، وَلَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ. وَرَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُعَارَضُوا بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْقِرْدِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي أَكْلِهِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ. سُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ أَكْلِ الْقِرْدِ فقال: ليس من بهيمة الأنعام.
(١). في التذهيب: ابن التلب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute