للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّيْءُ عَلَى مَا يَلِيهِ، إِلَّا أَلَّا يَصِحَّ مَعْنَاهُ أَوْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي التَّحْلِيلِ إِنَّمَا هُوَ مَا حَمَلَتِ الظُّهُورُ خَاصَّةً، وَقَوْلُهُ:" أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُحَرَّمِ. وَالْمَعْنَى: حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ شُحُومُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، إِلَّا مَا حَمَلَتِ الظُّهُورُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ الشَّحْمَ حَنِثَ بِأَكْلِ شَحْمِ الظُّهُورِ، لِاسْتِثْنَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى ظُهُورِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّحْمِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوِ الْحَوايا): الْحَوَايَا: هِيَ الْمَبَاعِرُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ جَمْعُ مَبْعَرٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْبَعْرِ فِيهِ. وَهُوَ الزِّبْلُ. وَوَاحِدُ الْحَوَايَا حَاوِيَاءُ، مِثْلَ قَاصِعَاءَ وَقَوَاصِعَ. وَقِيلَ: حَاوِيَةٌ مِثْلُ ضَارِبَةٍ وَضَوَارِبَ. وَقِيلَ: حَوِيَّةٌ مِثْلُ سَفِينَةٍ وَسَفَائِنَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَوَايَا مَا تَحَوَّى مِنَ الْبَطْنِ أَيِ اسْتَدَارَ. وَهِيَ مُنْحَوِيَةٌ أَيْ مُسْتَدِيرَةٌ. وَقِيلَ: الْحَوَايَا خَزَائِنُ اللَّبَنِ، وَهُوَ يَتَّصِلُ بِالْمَبَاعِرِ وَهِيَ الْمَصَارِينُ. وَقِيلَ: الْحَوَايَا الْأَمْعَاءُ الَّتِي عَلَيْهَا الشُّحُومُ. وَالْحَوَايَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: كِسَاءٌ يُحَوَّى حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

جَعَلْنَ حَوَايَا وَاقْتَعَدْنَ قَعَائِدًا ... وَخَفَّفْنَ مِنْ حَوْكِ الْعِرَاقِ الْمُنَمَّقِ

فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ رَدًّا لِكَذِبِهِمْ. وَنَصُّهُ فِيهَا:" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ" الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَكُلُّ دَابَّةٍ لَيْسَتْ مَشْقُوقَةَ الْحَافِرِ وَكُلُّ حُوتٍ لَيْسَ فِيهِ سَفَاسِقُ «١» " أَيْ بَيَاضٌ. ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ كله بشريعة محمد. وَأَبَاحَ لَهُمْ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَأَزَالَ الْحَرَجَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَلْزَمَ الخليقة دين الإسلام بحله وحرمه وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. الْخَامِسَةُ- لَوْ ذَبَحُوا أَنْعَامَهُمْ فَأَكَلُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَتَرَكُوا مَا حَرَّمَ (عَلَيْهِمْ «٢») فَهَلْ يَحِلُّ لَنَا، قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: هِيَ مُحَرَّمَةٌ. وَقَالَ في سماع المبسوط: هل مُحَلَّلَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْرَهُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِتَحْرِيمِهَا وَلَا يَقْصِدُونَهَا عِنْدَ الذَّكَاةِ، فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالدَّمِ. وَوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفَعَ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ بِالْإِسْلَامِ، وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ لَا يُؤَثِّرُ، لِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ، قَالَهُ ابْنُ العربي.


(١). كذا في ز. ولعل المراد الطرائق. وفي ك: سقاشق. وفي ى: شفاشق.
(٢). من ك.