للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِارْتِفَاعِ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالتَّقَدُّمِ فِي أَصْلِ وَضْعِ هَذَا الْفِعْلِ كَأَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا فَقِيلَ لَهُ تَعَالَ، أَيِ ارْفَعْ شَخْصَكَ بِالْقِيَامِ وَتَقَدَّمْ، وَاتْسَعُوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي، قال ابْنُ الشَّجَرِيِّ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا حَرَّمَ) الْوَجْهُ فِي" مَا" أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ" أَتْلُ" وَالْمَعْنَى: تَعَالَوْا أَتْلُ الَّذِي حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ عَلَّقْتَ" عَلَيْكُمْ بِ" حَرَّمَ" فَهُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ وَهُوَ اختيار البصر بين. وإن علقته" أَتْلُ" فَجَيِّدٌ لِأَنَّهُ الْأَسْبَقُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكُوفِيِّينَ، فَالتَّقْدِيرُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَتْلُ عَلَيْكُمُ الَّذِي حَرَّمَ رَبُّكُمْ. (أَلَّا تُشْرِكُوا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ فَعَلَ مِنْ لَفْظِ الْأَوَّلِ، أَيْ أَتْلُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا، أَيْ أَتْلُ عَلَيْكُمْ تَحْرِيمَ الإشراك، ويحتمل أيكون مَنْصُوبًا بِمَا فِي" عَلَيْكُمْ" مِنَ الْإِغْرَاءِ، وَتَكُونُ" عَلَيْكُمْ" مُنْقَطِعَةً مِمَّا قَبْلَهَا، أَيْ عَلَيْكُمْ تَرْكَ الْإِشْرَاكِ، وَعَلَيْكُمْ إِحْسَانًا بِالْوَالِدَيْنِ، وَأَلَّا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَلَّا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ. كَمَا تَقُولُ: عَلَيْكَ شَأْنَكَ، أي الزم أنك. وَكَمَا قَالَ:" عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ «١» " قَالَ جَمِيعَهُ ابْنُ الشَّجَرِيِّ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ" أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنْ" مَا"، أَيْ أَتْلُ عَلَيْكُمْ تَحْرِيمَ الْإِشْرَاكِ. وَاخْتَارَ الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ" لَا" لِلنَّهْيِ، لِأَنَّ بَعْدَهُ" وَلا". الثَّالِثَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَدْعُوَ جَمِيعَ الْخَلْقِ إِلَى سَمَاعِ تِلَاوَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُبَلِّغُوا النَّاسَ وَيُبَيِّنُوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا حَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ «٢» ". وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ رَبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ «٣» لِجَلِيسٍ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تُؤْتَى بِصَحِيفَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَكَّ خَاتَمُهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَاقْرَأْ" قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ" فَقَرَأَ إِلَى آخِرِ الثَّلَاثِ الْآيَاتِ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هَذِهِ الْآيَةُ مُفْتَتَحُ «٤» التَّوْرَاةِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ تعالوا أتل ما حرم


(١). راجع ج ٦ ص ٣٤٢.
(٢). راجع ج ٤ ص ٣٠٤.
(٣). قال في التقريب: (الربيع بن خيثم) بضم المعجمة وفتح المثلثة، ولكن في الخلاصة: بفتح المعجمة والمثلثة بينها تحتانية ساكنة. تهذيب.
(٤). تقدم عن كعب أيضا أول السورة أن أول الأنعام مفتتح التوراة.