للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي يجئ. وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَةَ:" إِذْ" زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَقَالَ رَبُّكُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:

فَإِذْ «١» وَذَلِكَ لَا مَهَاةَ لِذِكْرِهِ ... وَالدَّهْرُ يُعْقِبُ صَالِحًا بِفَسَادِ

وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الزَّجَّاجُ وَالنَّحَّاسُ وَجَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ" إِذْ" اسْمٌ وَهِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ لَيْسَ مِمَّا تُزَادُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا اجْتِرَامٌ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، فَالتَّقْدِيرُ وَابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ إِذْ قَالَ، فَكَانَ هَذَا مِنَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، كَمَا قَالَ:

فَإِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا ... فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا

يُرِيدُ أَيْنَمَا ذَهَبَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ. وَقِيلَ: هُوَ مَرْدُودٌ إِلَى قوله تعالى:" اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ" [البقرة: ٢١] فَالْمَعْنَى الَّذِي خَلَقَكُمْ إِذْ قَالَ رَبُّكُ لِلْمَلَائِكَةِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ لِلْمَلَائِكَةِ مُتَقَرِّرٌ قَدِيمٌ فِي الْأَزَلِ بِشَرْطِ وَجُودِهِمْ وَفَهْمِهِمْ. وَهَكَذَا الْبَابُ كُلُّهُ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيهِ وَمُخَاطَبَاتِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحسنى وصفات الله العلى. وَالرَّبُّ: الْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُصْلِحُ وَالْجَابِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢» بَيَانُهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى" لِلْمَلائِكَةِ" الْمَلَائِكَةُ وَاحِدُهَا مَلَكٌ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَغَيْرُهُ: وَزْنُ مَلَكٍ فَعَلٌ مِنَ الْمُلْكِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ لَأَكَ إِذَا أَرْسَلَ. وَالْأَلُوكَةُ وَالْمَأْلَكَةُ وَالْمَأْلُكَةُ: الرِّسَالَةُ، قَالَ لَبِيَدٌ:

وَغُلَامٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ ... بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ

وَقَالَ آخَرُ «٣»:

أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا ... إِنَّنِي قَدْ طَالَ حَبْسِي وانتظاري


(١). يلاحظ أن رواية البيت: (فإذا) ولا يستقيم الوزن إلا به.
(٢). راجع المسألة الثامنة وما بعدها ص ١٣٦ من هذا الجزء.
(٣). هو عدى بن زيد، كما في اللسان مادة (ألك). ويروي (إنه) بدل: (إنني)