طَرِيقُهُ التَّوَاتُرَ الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ ضَرُورَةً أَوْ دَلَالَةً، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مُكَلَّفٍ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِينِ اللَّهِ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ عَلِمَ أَنَّ مِنْ دِينِ اللَّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَصَوْمَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ وَنَحْوَهَا، وَلَا أَحَدَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ ضَرُورَةً، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى نَقْلِ النَّصِّ عَلَى الْإِمَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَجَبَ إِثْبَاتُ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَالْعَبَّاسِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْمًا يَنْقُلُونَ النَّصَّ صَرِيحًا فِي إِمَامَتِهِ، وَإِذَا بَطَلَ إِثْبَاتُ الثَّلَاثَةِ بِالنَّصِّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ- كَذَلِكَ الْوَاحِدُ، إِذْ لَيْسَ أَحَدُ الْفِرَقِ أَوْلَى بِالنَّصِّ مِنَ الْآخَرِ. وَإِذَا بَطَلَ ثُبُوتُ النَّصِّ لِعَدَمِ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ ثَبَتَ الِاخْتِيَارُ وَالِاجْتِهَادُ. فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّفٌ وَادَّعَى التَّوَاتُرَ وَالْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِالنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلُوا عَلَى الْفَوْرِ بِنَقِيضِ دَعْوَاهُمْ فِي النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِأَخْبَارٍ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٍ تَقُومُ أَيْضًا فِي جُمْلَتِهَا مَقَامَ النَّصِّ، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي تَصْمِيمِ مَنْ عَدَا الْإِمَامِيَّةَ عَلَى نَفْيِ النَّصِّ، وَهُمُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ. وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ لَا يَجْتَمِعُ عَلَى نَفْيِهِ مَنْ يَنْحَطُّ عَنْ مِعْشَارِ أَعْدَادِ مُخَالِفِي الْإِمَامِيَّةِ، وَلَوْ جَازَ رَدُّ الضَّرُورِيِّ فِي ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُنْكِرَ طَائِفَةٌ بَغْدَادَ وَالصِّينَ الْأَقْصَى وَغَيْرَهُمَا. السَّادِسَةُ- فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْإِمَامِيَّةُ فِي النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّ الْأُمَّةَ كَفَرَتْ بِهَذَا النَّصِّ وَارْتَدَّتْ، وَخَالَفَتْ أَمْرَ الرَّسُولِ عِنَادًا، مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ). قَالُوا: وَالْمَوْلَى فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى أَوْلَى، فَلَمَّا قَالَ: (فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ) بِفَاءِ التَّعْقِيبِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ" مَوْلَى" أَنَّهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِمَامَةَ وَأَنَّهُ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ: (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي). قَالُوا: وَمَنْزِلَةُ هَارُونَ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ فِي النُّبُوَّةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ أَخًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ خَلِيفَةً، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخِلَافَةُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي
ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute