للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ: لُوطٌ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا أَلْيَطُ بِقَلْبِي، أَيْ أَلْصَقُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: قَالَ الزَّجَّاجُ زَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ- يَعْنِي الْفَرَّاءَ- أَنَّ لُوطًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ لُطْتُ إِذَا مَلَّسْتُهُ بِالطِّينِ. قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْأَعْجَمِيَّةَ لَا تُشْتَقُّ كَإِسْحَاقَ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ السُّحْقِ وَهُوَ الْبُعْدُ. وَإِنَّمَا صُرِفَ لُوطٌ لِخِفَّتِهِ «١» لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ وَهُوَ سَاكِنُ الْوَسَطِ. قَالَ النَّقَّاشُ: لُوطٌ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ وَلَيْسَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ. فَأَمَّا لُطْتُ الْحَوْضَ، وَهَذَا أَلْيَطُ بِقَلْبِي مِنْ هَذَا، فَصَحِيحٌ. وَلَكِنَّ الِاسْمَ أَعْجَمِيٌّ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: نُوحٌ وَلُوطٌ أَسْمَاءٌ أَعْجَمِيَّةٌ، إِلَّا أَنَّهَا خَفِيفَةٌ فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ. بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أُمَّةٍ تُسَمَّى سَدُومُ، وَكَانَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وَنَصْبُهُ إِمَّا بِ" أَرْسَلْنا" الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يَعْنِي إِتْيَانَ الذُّكُورِ. ذَكَرَهَا اللَّهُ بِاسْمِ الْفَاحِشَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهَا زِنًى، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً «٢» ". وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُرْجَمُ، أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ. وَكَذَلِكَ يُرْجَمُ الْمَفْعُولُ بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: يُرْجَمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حنيفة: يعزر الْمُحْصَنُ وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَى قِيَاسًا عَلَيْهِ. احْتَجَّ مَالِكٌ بقول تَعَالَى:" وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ". فَكَانَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُمْ وَجَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حُجَّةَ فِيهَا لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا- أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ إِنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ كَسَائِرِ الْأُمَمِ. الثَّانِي- أَنَّ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ دَخَلَ فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ بَابِ الْحُدُودِ. قِيلَ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَغَلَطٌ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أخبر عنهم أنهم كانوا على معاصي فَأَخَذَهُمْ بِهَا، مِنْهَا هَذِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِلٌ وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ، فَعُوقِبَ الْجَمِيعُ لِسُكُوتِ الْجَمَاهِيرِ عَلَيْهِ. وَهِيَ حِكْمَةُ اللَّهِ وَسُنَّتُهُ في عباده.


(١). من ب وج ك وى وز.
(٢). راجع ج ١٠ ص ٢٥٣ وص ٤٢ وج ٩ ص ٨١.