وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: (وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنَ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخر ينازعه فاضربوه عُنُقَ الْآخَرِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ: (فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ). وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَنْعِ إِقَامَةِ إِمَامَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى النِّفَاقِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالشِّقَاقِ وَحُدُوثِ الْفِتَنِ وَزَوَالِ النِّعَمِ، لَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ وَتَبَايَنَتْ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ جَازَ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: لَوْ خَرَجَ خَارِجِيٌّ عَلَى إِمَامٍ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ جِهَادُهُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فَاسِقًا وَالْخَارِجِيُّ مُظْهِرٌ لِلْعَدْلِ لَمْ يَنْبَغِ لِلنَّاسِ أَنْ يُسْرِعُوا إِلَى نُصْرَةِ الْخَارِجِيِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فِيمَا يُظْهِرُ مِنَ الْعَدْلِ، أَوْ تَتَّفِقَ كَلِمَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى خَلْعِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ طَلَبَ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَ رَجَعَ إِلَى عَادَتِهِ مِنْ خِلَافِ مَا أَظْهَرَ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فَأَمَّا إِقَامَةُ إِمَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَبَلَدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي: ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى مَنْعِ عَقْدِ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ فِي طَرَفَيِ الْعَالَمِ، ثُمَّ قَالُوا: لَوِ اتَّفَقَ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ نُزِّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ تَزْوِيجِ وَلِيَّيْنِ امْرَأَةً وَاحِدَةً مِنْ زَوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ أَحَدُهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ عَقْدَ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ مُتَضَايِقِ الْخِطَطِ وَالْمَخَالِيفِ «١» غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا إِذَا بَعُدَ الْمَدَى وَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ شُسُوعُ النَّوَى فَلِلِاحْتِمَالِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْقَوَاطِعِ. وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ فِي إِقْلِيمَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ غَايَةَ التَّبَاعُدِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ حُقُوقُ النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ. وَذَهَبَتِ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى جَوَازِ نَصْبِ إِمَامَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَيَلْزَمُهُمْ إِجَازَةُ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَصَارُوا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ كَانَا إِمَامَيْنِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ أَوْ نَاحِيَتَيْنِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقْوَمَ بِمَا فِي يَدَيْهِ وَأَضْبَطَ لِمَا يليه، ولأنه
(١). المخاليف: الاطراف والنواحي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute