للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ تَشَاءَمَ: تَطَيَّرَ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَيَمَّنُ بِالسَّانِحِ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمِينِ. وَتَتَشَاءَمُ بِالْبَارِحِ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ الشِّمَالِ. وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ أَيْضًا بِصَوْتِ الْغُرَابِ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ الْبَيْنَ. وَكَانُوا يَسْتَدِلُّونَ بِمُجَاوَبَاتِ الطُّيُورِ بَعْضِهَا بَعْضًا عَلَى أُمُورٍ، وَبِأَصْوَاتِهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهَا الْمَعْهُودَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَهَكَذَا الظِّبَاءُ إِذَا مَضَتْ سَانِحَةً أَوْ بَارِحَةً، وَيَقُولُونَ إِذَا بَرِحَتْ:" مَنْ لِي بِالسَّانِحِ بَعْدَ الْبَارِحِ «١» ". إِلَّا أَنَّ أَقْوَى مَا عِنْدَهُمْ كَانَ يَقَعُ فِي جَمِيعِ الطَّيْرِ، فَسَمَّوُا الْجَمِيعَ تَطَيُّرًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَتَطَيَّرَ الْأَعَاجِمُ إذا رأوا صبيا يذهب به إلى العلم بِالْغَدَاةِ، وَيَتَيَمَّنُونَ بِرُؤْيَةِ صَبِيٍّ يَرْجِعُ مِنْ عِنْدِ الْمُعَلِّمِ إِلَى بَيْتِهِ، وَيَتَشَاءَمُونَ بِرُؤْيَةِ السَّقَّاءِ عَلَى ظَهْرِهِ قِرْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ مَشْدُودَةٌ، وَيَتَيَمَّنُونَ بِرُؤْيَةِ فَارِغِ السقاء مفتوحة (قربته «٢»)، ومتشاءمون بِالْحَمَّالِ الْمُثْقَلِ بِالْحِمْلِ، وَالدَّابَّةِ الْمُوقَرَةِ «٣»، وَيَتَيَمَّنُونَ بِالْحَمَّالِ الذي وضع جمله، وَبِالدَّابَّةِ يُحَطُّ عَنْهَا ثِقْلُهَا. فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالتَّشَاؤُمِ بِمَا يُسْمَعُ مِنْ صَوْتِ طَائِرٍ مَا كَانَ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مُكُنَاتِهَا «٤»). وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَتَى الطَّيْرَ فِي وَكْرِهَا فَنَفَّرَهَا، فَإِذَا أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ، وَهَذَا هُوَ السَّانِحُ عِنْدَهُمْ. وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، وَهَذَا هُوَ الْبَارِحُ عِنْدَهُمْ. فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا بقول: (أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مُكُنَاتِهَا) هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ: (وُكُنَاتِهَا) قَالَ امْرُؤُ الْقِيسِ:

وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا

وَالْوُكْنَةُ: اسْمٌ لِكُلِّ وَكْرٍ وَعُشٍّ. وَالْوَكْنُ: مَوْضِعُ الطَّائِرِ الَّذِي يَبِيضُ فِيهِ وَيُفْرِخُ، وَهُوَ الْخِرَقُ فِي الْحِيطَانِ وَالشَّجَرِ. وَيُقَالُ: وَكَنَ الطَّائِرُ يَكِنُّ وُكُونًا إِذَا حِضْنَ بَيْضَهُ. وَكَانَ أَيْضًا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ لَا يَرَى التَّطَيُّرَ شَيْئًا، وَيَمْدَحُونَ مَنْ كَذَّبَ به. قال المرقش:


(١). هذا مثل يضرب للرجل يسئ الرجل فيقال له: إنه سوف يحسن إليك. واصل ذلك أن رجلا مرت به ظباء بارحة فقيل له سوف تسنح لك فقال: من لي ... إلخ.
(٢). من ع.
(٣). الدابة الموقرة: التي أصابتها الوقرة وهى صدع في الساق.
(٤). مكناتها بكسر الكاف وقد تفتح: أي بيضها. وهى في الأصل بيض الضباب. وقيل على أمكنتها ومساكنها. قال شمر: والصحيح في قوله على مكناتها أنها جمع المكنة والملكة: التمكن. وقال الزمخشري: ويروى: مكناتها جمع مكن ومكن جمع مكان.