للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) أَيْ نُنَزِّهُكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِكَ. وَالتَّسْبِيحُ فِي كَلَامِهِمُ التَّنْزِيهُ مِنَ السُّوءِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:

أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ

أَيْ بَرَاءَةٌ مِنْ عَلْقَمَةَ. وَرَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِيرِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ: (هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ). وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّبْحِ وَهُوَ الْجَرْيُ وَالذَّهَابُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً «١» طَوِيلًا" [المزمل: ٧] فَالْمُسَبِّحُ جَارٍ فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَبْرِئَتِهِ مِنَ السُّوءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي" نَحْنُ" «٢»، وَلَا يَجُوزُ إِدْغَامُ النُّونِ فِي النُّونِ لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ. مَسْأَلَةٌ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: تسبيحهم صلاتهم، ومنه قول الله تعالى:" فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ «٣» " [الصافات: ١٤٣] أَيِ الْمُصَلِّينَ. وَقِيلَ: تَسْبِيحُهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ، قَالَهُ الْمُفَضَّلُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ جَرِيرٍ:

قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا ... سَبَّحَ «٤» الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا

وَقَالَ قَتَادَةُ: تَسْبِيحُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، عَلَى عُرْفِهِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ [أَوْ لِعِبَادِهِ «٥»] سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السموات الْعُلَا: سُبْحَانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَهُ البيهقي.


(١). راجع ج ١٩ ص ٤١. [ ..... ]
(٢). راجع ص ٢٠٣ من هذا الجزء.
(٣). راجع ج ١٥ ص ١٢٣.
(٤). في ديوان جرير: (شبح). وفسر الشبح بأنه رفع الأيدي بالدعاء. راجع اللسان مادة (شبح) وديوان جرير المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية رقم ١ أدب ش.
(٥). زيادة عن صحيح مسلم (ج ٨ ص ٨٦ طبع الآستانة).