للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا) مَفْعُولَانِ، أَحَدُهُمَا حُذِفَتْ مِنْهُ مِنْ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

مِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً ... وَبِرًّا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ «١»

وَقَالَ الرَّاعِي يَمْدَحُ رَجُلًا:

اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إِذْ رَثَّتْ خَلَائِقُهُمْ ... وَاخْتَلَّ «٢» مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ

يُرِيدُ: اخْتَرْتُكَ مِنَ النَّاسِ. وَأَصْلُ اخْتَارَ اخْتِيرَ، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ قُلِبَتْ أَلِفًا، نَحْو قَالَ وَبَاعَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أَيْ مَاتُوا. وَالرَّجْفَةُ فِي اللُّغَةِ الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ. وَيُرْوَى أَنَّهُمْ زُلْزِلُوا حَتَّى مَاتُوا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) أَيْ أَمَتَّهُمْ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ «٣» "." وَإِيَّايَ ٤٠" عَطْفٌ. وَالْمَعْنَى: لَوْ شِئْتَ أَمَتَّنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الْمِيقَاتِ بِمَحْضَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى لَا يَتَّهِمُونِي. أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَانْطَلَقَ شَبَّرُ وَشَبِّيرُ- هُمَا ابْنَا هَارُونَ- فَانْتَهَوْا إِلَى جَبَلٍ فِيهِ سَرِيرٌ، فَقَامَ عَلَيْهِ هَارُونُ فَقُبِضَ رُوحُهُ. فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالُوا: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، حَسَدْتَنَا «٤» عَلَى لِينِهِ وَعَلَى خُلُقِهِ، أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا، الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَقْتُلُهُ وَمَعِيَ ابْنَاهُ! قَالَ: فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ، فَاخْتَارُوا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ عَشَرَةً. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا" فَانْتَهَوْا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: مَنْ قتلك يا هارون؟ قال: ما قتلني


(١). البيت للفرزدق، كما في شواهد سيبويه. في ديوانه: وخيرا.
(٢). اختل: افتقر.
(٣). راجع ج ٦ ص ٢٨.
(٤). في ك: حسدا.