للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: هِيَ أَيْلَةُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهَا مَدْيَنُ بَيْنَ أَيْلَةَ وَالطُّورِ. الزُّهْرِيُّ: طَبَرِيَّةُ. قَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هِيَ سَاحِلٌ مِنْ سَوَاحِلِ الشَّأْمِ، بَيْنَ مَدْيَنَ وَعَيْنُونَ، يُقَالُ لَهَا: مَقْنَاةُ. وَكَانَ الْيَهُودُ يَكْتُمُونَ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِمَا فِيهَا مِنَ السُّبَّةِ عَلَيْهِمْ. (الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أَيْ كَانَتْ بِقُرْبِ «١» الْبَحْرِ، تقول: كنت بحضرة الدار أي بقربها. (إذا يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أَيْ يَصِيدُونَ الْحِيتَانَ، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، يُقَالُ سَبَتَ الْيَهُودُ، تَرَكُوا الْعَمَلَ فِي سَبْتِهِمْ. وَسَبَتَ الرَّجُلُ لِلْمَفْعُولِ سُبَاتًا أَخَذَهُ ذلك، من الْخَرَسِ. وَأَسْبَتَ سَكَنَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ. وَالْقَوْمُ صَارُوا فِي السَّبْتِ. وَالْيَهُودُ دَخَلُوا فِي السَّبْتِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ. وَهُوَ مِنَ الرَّاحَةِ وَالْقَطْعِ. وَيُجْمَعُ أَسْبُتٌ وَسُبُوتٌ وَأَسْبَاتٌ. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ فَأَصَابَهُ بَرَصٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ). قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْمُدُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِذَا مَدَدْتَهُ لِتَسْتَخْرِجَهُ لَمْ يَجْرِ وَعَادَ بَرَصًا. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةُ" يَعْدُونَ". وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ" يُعِدُّونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الدَّالِ. الْأُولَى مِنَ الِاعْتِدَاءِ وَالثَّانِيَةُ مِنَ الْإِعْدَادِ، أي يهيئو الْآلَةَ لِأَخْذِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ" فِي الْأَسْبَاتِ" عَلَى جَمْعِ السَّبْتِ." (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ) " وقرى" أَسْبَاتِهِمْ". شُرَّعًا أَيْ شَوَارِعَ ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ كَثِيرَةً. وَقَالَ اللَّيْثُ: حِيتَانٌ شُرَّعٌ رَافِعَةٌ رُءُوسَهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ حِيتَانَ الْبَحْرِ كَانَتْ تَرِدُ يَوْمَ السَّبْتِ عُنُقًا «٢» مِنَ الْبَحْرِ فَتُزَاحِمُ أَيْلَةَ. أَلْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا تُصَادُ يَوْمَ السَّبْتِ، لِنَهْيِهِ تَعَالَى الْيَهُودَ عَنْ صَيْدِهَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَشْرَعُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ، كَالْكِبَاشِ الْبِيضِ رافعة رءوسها. حكاه بعض المتأخرين، فتعدوا فَأَخَذُوهَا فِي السَّبْتِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقِيلَ: يَوْمَ الْأَحَدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. (وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ) أَيْ لَا يَفْعَلُونَ السَّبْتَ، يُقَالُ: سَبَتَ يَسْبِتُ إِذَا عَظَّمَ السَّبْتَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" يُسْبِتُونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ يَدْخُلُونَ فِي السَّبْتِ، كَمَا يُقَالُ: أَجْمَعْنَا وَأَظْهَرْنَا وَأَشْهَرْنَا، أَيْ دَخَلْنَا فِي الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ وَالشَّهْرِ. لَا تَأْتِيهِمْ أي حيتانهم. كذلك نبلوهم أي نشدد


(١). حاضرة البحر فيه معنى التعظيم. قال أبو حيان في البحر: يحتمل أن يريد معنى الحاضرة عل جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في قرى البحر إلخ.
(٢). أي طوائف يقال: جاء القوم عنقا عنقا، أي قطيعا قطيعا.