للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُوَ مُخَفَّفٌ مِنْ" طَيِّفٍ" مِثْلُ مَيِّتٍ وَمَيْتٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَمَعْنَى" طَيْفٌ" فِي اللُّغَةِ مَا يُتَخَيَّلُ فِي الْقَلْبِ أَوْ يُرَى فِي النَّوْمِ، وَكَذَا مَعْنَى طَائِفٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ طَيْفٍ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْمَصَادِرِ فَيْعَلٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: لَيْسَ هُوَ بِمَصْدَرٍ، وَلَكِنْ يَكُونُ بِمَعْنَى طَائِفٍ. وَالْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوُا المعاصي إذا لحقهم شي تَفَكَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ فَتَرَكُوا الْمَعْصِيَةَ، وَقِيلَ: الطَّيْفُ وَالطَّائِفُ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ فَالْأَوَّلُ- التَّخَيُّلُ. وَالثَّانِي- الشَّيْطَانُ نَفْسُهُ. فَالْأَوَّلُ مَصْدَرُ طَافَ الْخَيَالُ يَطُوفُ طَيْفًا، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ هَذَا طَائِفٌ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لِأَنَّهُ تَخَيُّلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:" فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ «١» " فَلَا يُقَالُ فِيهِ: طَيْفٌ، لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ حَقِيقَةً، وَيُقَالُ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: طُفْتُ عَلَيْهِمْ أَطُوفُ، وَطَافَ الْخَيَالُ يَطِيفُ. وَقَالَ حَسَّانُ:

فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ ... يُؤَرِّقُنِي إِذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ

مُجَاهِدٌ: الطَّيْفُ الْغَضَبُ. وَيُسَمَّى الْجُنُونُ وَالْغَضَبُ وَالْوَسْوَسَةُ طَيْفًا، لِأَنَّهُ لَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تُشَبَّهُ بِلَمَّةِ «٢» الْخَيَالِ. (فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) أَيْ مُنْتَهُونَ. وَقِيلَ: فَإِذَا هُمْ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:" تَذَكَّرُوا ٢٠" بِتَشْدِيدِ الذَّالِ. وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. الثَّانِيَةُ- قَالَ عِصَامُ بْنُ الْمُصْطَلِقِ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَأَعْجَبَنِي سَمْتُهُ وَحُسْنُ رُوَائِهِ، فَأَثَارَ مِنِّي الْحَسَدُ مَا كَانَ يُجِنُّهُ صَدْرِي لِأَبِيهِ مِنَ الْبُغْضِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ! قَالَ نَعَمْ. فَبَالَغْتُ فِي شَتْمِهِ وَشَتْمِ أَبِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظْرَةَ عَاطِفٍ رَءُوفٍ، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ" فَقَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ:" فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠" ثُمَّ قَالَ لِي: خَفِّضْ عَلَيْكَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكَ إِنَّكَ لو استعنتنا أعناك، ولو استرفدتنا أرفدناك،


(١). راجع ج ١٨ ص ٢٣٨ فما بعد.
(٢). الله الخطرة بالقلب.