للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِأَنَّ بَعْدَهُ" وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ" فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَكَذَلِكَ الْإِغْشَاءُ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَتَشَاكَلَ الْكَلَامُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو" يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ" بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى النُّعَاسِ. دَلِيلُهُ" أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى «١» " فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ أَوْ بِالتَّاءِ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى النُّعَاسِ أَوْ إِلَى الْأَمَنَةِ. وَالْأَمَنَةُ هِيَ النُّعَاسُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ النُّعَاسَ هُوَ الَّذِي يَغْشَى الْقَوْمَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ" يُغَشِّيكُمْ" بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَشَدِّ الشِّينِ." النُّعَاسَ" بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ، لُغَتَانِ بِمَعْنَى غَشَّى وَأَغْشَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَأَغْشَيْناهُمْ «٢» ". وَقَالَ:" فَغَشَّاها مَا غَشَّى «٣» ". وَقَالَ:" كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ «٤» ١٠: ٢٧". قَالَ مَكِّيٌّ: وَالِاخْتِيَارُ ضَمُّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدُ وَنَصْبُ النُّعَاسِ، لِأَنَّ بَعْدَهُ" أَمَنَةً مِنْهُ" وَالْهَاءُ فِي" مِنْهُ ٦٠" لِلَّهِ، فَهُوَ الَّذِي يُغَشِّيهِمُ النُّعَاسَ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: أَمَنَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَ" أَمَنَةً" مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: أَمِنَ أَمَنَةً وَأَمْنًا وَأَمَانًا، كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَالنُّعَاسُ حَالَةُ الْآمَنِ الَّذِي لَا يَخَافُ. وَكَانَ هَذَا النُّعَاسُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ الْقِتَالُ مِنْ غَدِهَا، فَكَانَ النَّوْمُ عَجِيبًا مَعَ مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَبَطَ جَأْشَهُمْ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ «٥». الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي امْتِنَانِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالنَّوْمِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَجْهَانِ:- أَحَدُهُمَا: أَنْ قَوَّاهُمْ بِالِاسْتِرَاحَةِ عَلَى الْقِتَالِ مِنَ الْغَدِ. الثَّانِي: أَنْ أَمَّنَهُمْ بِزَوَالِ الرُّعْبِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: الْأَمْنُ مُنِيمٌ، وَالْخَوْفُ مُسْهِرٌ. وَقِيلَ: غَشَّاهُمْ فِي حَالِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ. وَقَدْ مَضَى مِثْلُ هَذَا فِي يَوْمِ أُحُدٍ فِي" آلِ عِمْرَانَ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ كَانَ قَبْلَ الْمَطَرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: كَانَ الْمَطَرُ قَبْلَ النُّعَاسِ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبَقُوا الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ لَا مَاءَ لَهُمْ، فَوَجَسَتْ «٦» نُفُوسُهُمْ وَعَطِشُوا وأجنبوا وصلوا


(١). راجع ج ٤ ص ٢٤١.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٩.
(٣). راجع ج ١٧ ص ١١٨.
(٤). راجع ج ٨ ص ٣٣٢.
(٥). في ك، ى: والماوردي.
(٦). وجست: وقع في نفوسهم الفزع.