للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا زَادَ عَلَى، الْمِائَتَيْنِ، فَمَهْمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مُسْلِمٍ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْنِ فَيَجُوزُ الِانْهِزَامُ، وَالصَّبْرُ أَحْسَنُ. وَقَدْ وَقَفَ جَيْشُ مُؤْتَةَ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فِي مُقَابَلَةِ مِائَتَيْ أَلْفٍ، مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَمِائَةُ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ. قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ فَتْحِ الْأَنْدَلُسِ، أَنَّ طَارِقًا مَوْلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ سَارَ فِي أَلْفٍ وَسَبْعمِائَةِ رَجُلٍ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَذَلِكَ فِي رَجَبَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَالْتَقَى وَمَلِكَ الْأَنْدَلُسِ لَذْرِيقَ وَكَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ عَنَانٍ، فَزَحَفَ إِلَيْهِ طَارِقٌ وَصَبَرَ لَهُ فَهَزَمَ اللَّهُ الطَّاغِيَةَ لَذْرِيقَ، وَكَانَ الْفَتْحُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يُسْأَلُ عَنِ الْقَوْمِ يَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ أَوْ يَكُونُونَ فِي مَحْرَسٍ يَحْرُسُونَ فَيَأْتِيهِمُ الْعَدُوُّ وَهُمْ يَسِيرٌ، أَيُقَاتِلُونَ أَوْ يَنْصَرِفُونَ فَيُؤْذِنُونَ أَصْحَابَهُمْ؟ قَالَ: إِنْ كَانُوا يَقْوَوْنَ عَلَى قِتَالِهِمْ قَاتَلُوهُمْ، وَإِلَّا انْصَرَفُوا إلى أصحابهم فأذنوهم. الثانية- وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَلِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ أَمْ عَامٌّ فِي الزُّحُوفِ كُلِّهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَالضَّحَّاكُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَهْلِ بَدْرٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا، وَلَوِ انْحَازُوا لَانْحَازُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمُونَ غَيْرُهُمْ، وَلَا لِلْمُسْلِمِينَ فِئَةٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ فِئَةٌ لِبَعْضٍ. قَالَ إِلْكِيَا: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ قِتَالٌ، وَإِنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَفَّ مَعَهُ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:" يَوْمَئِذٍ" فَقَالُوا: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَأَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُ الْآيَةِ بِآيَةِ الضِّعْفِ. وَبَقِيَ حُكْمُ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ. وَقَدْ فَرَّ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ اللَّهُ فِيهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ" ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ «١» " وَلَمْ يَقَعْ عَلَى ذَلِكَ تَعْنِيفٌ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا ذَلِكَ إشارة


(١). راجع ج ٨ ص ٩٦.