إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى تَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ. وَمِنْ حُجَّتِهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَارَزْتُ رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ سَلَبَهُ، فَأَتَيْتُ سَعْدًا فَخَطَبَ سَعْدٌ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَلَبُ بِشْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنَّا قَدْ نَفَّلْنَاهُ إِيَّاهُ. فَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ قَضَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا احْتَاجَ الْأَمْرُ أَنْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَلَأَخَذَهُ الْقَاتِلُ دُونَ أَمْرِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ ضَرَبَا أَبَا جَهْلٍ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَيُّكُمَا قَتَلَهُ)؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أنا قتلته. فنظر في السيفين فقال: (كلا كما قَتَلَهُ) وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ «١» مِنَ الْيَمَنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَ عَوْفٌ: يَا خَالِدٌ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، ولكني استكثرته. وأخرجه أبو بكر البر قانئ بِإِسْنَادِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ مُسْلِمٌ، وَزَادَ فِيهِ بَيَانًا أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَكُنْ يُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ مَدَدِيًّا كَانَ رَفِيقًا لَهُمْ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِي طَرَفٍ مِنَ الشَّامِ، قَالَ: فَجَعَلَ رُومِيٌّ مِنْهُمْ يَشْتَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ وَسَرْجٍ مُذْهَبٍ وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ وَسَيْفٍ مُحَلًّى بِذَهَبٍ. قَالَ: فَيُغْرِي بِهِمْ، قَالَ: فَتَلَطَّفَ لَهُ الْمَدَدِيُّ حَتَّى مَرَّ بِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ، وَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحَبَسَ مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِهِ كُلَّهُ، أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ)! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ عَوْفٌ: وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لَهُ: لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ الله صلى الله
(١). أي رجل من المدد الذين جاء وا يمدون جيش مؤتة ويسا عد ونهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute