للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةَ وَالْعِشْرُونَ- سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ شُهُودُ الْوَقْعَةِ لِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ شَهِدَ آخِرَ الْوَقْعَةِ اسْتَحَقَّ. وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَلَا. وَلَوْ غَابَ بِانْهِزَامٍ فَكَذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ قَصَدَ التَّحَيُّزَ إِلَى فِئَةٍ فَلَا يَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُهُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لِيفٌ، فَقَالَ أَبَانٌ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: [فَقُلْتُ [«١» لَا تَقْسِمْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبَانٌ: أَنْتَ بِهَا يا وبرا «٢» تَحَدَّرَ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسٍ ضَالٍّ «٣». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ يَا أَبَانُ) وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الثَّالِثَةَ وَالْعِشْرُونَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ خَرَجَ لِشُهُودِ الْوَقْعَةِ فَمَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْهُ كَمَرَضٍ، فَفِي ثُبُوتِ الْإِسْهَامِ لَهُ وَنَفْيِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيُثْبِتُهُ إِنْ كَانَ الضَّلَالُ قَبْلَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْإِدْرَابِ «٤»، وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَيَنْفِيهِ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ. وَكَمَنَ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ مِنَ الْجَيْشِ فِي أَمْرٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ شُهُودِ الْوَقْعَةِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ لَا يُسْهَمُ لَهُ بَلْ يُرْضَخُ لَهُ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّهْمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَدِيدِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْقِتَالِ، فَمَنْ غَابَ أَوْ حَضَرَ مَرِيضًا كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ. الرَّابِعَةَ وَالْعِشْرُونَ- الْغَائِبُ الْمُطْلَقُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَائِبٍ قَطُّ إِلَّا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ أَسْهَمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها" «٥» [الفتح: ٢٠]، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَسَمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُثْمَانَ وَلِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَطَلْحَةَ، وَكَانُوا غَائِبِينَ، فَهُمْ


(١). من ج، ز، ك.
(٢). الوبر: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين شديدة الحياء. والضال: شجر السدر من شجر الشوك، وفي ب تدلى علينا من قدوم ضال.
(٣). الوبر: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين شديدة الحياء. والضال: شجر السدر من شجر الشوك، وفي ب تدلى علينا من قدوم ضال.
(٤). أدرب القوم: إذا دخلوا أرض العدو.
(٥). راجع ج ١٦ ص ٢٧٨.