مُوسِرَةً. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَصَصِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ. فَلَمَّا تَحَصَّلَ الْأُسَارَى وَسِيقُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْلَ فِي النَّضْرِ وَعُقْبَةَ وَغَيْرِهِمَا وَجَعَلَ يَرْتَئِي فِي سَائِرِهِمْ نَزَلَ التَّخْيِيرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ حِينَئِذٍ، فَمَرَّ عُمَرُ عَلَى أَوَّلِ رَأْيِهِ فِي الْقَتْلِ، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ الْمَصْلَحَةَ فِي قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَالِ الْفِدَاءِ. وَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ. وَكِلَا الرَّأْيَيْنِ اجْتِهَادٌ بَعْدَ تَخْيِيرٍ. فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدُ عَلَى هَذَا شي مِنْ تَعْنِيتٍ «١». وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ كَانَ بِبَدْرٍ أُسَارَى مُشْرِكُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ" مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ". وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ مُشْرِكِينَ وَفَادَوْا وَرَجَعُوا، وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَأَقَامُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا. وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ رَجُلًا، وَمِثْلُهُمْ أُسِرُوا. وَكَانَ الشهداء قليلا. وقال عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: إِنَّ الْقَتْلَى كَانُوا سَبْعِينَ، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. وَذَكَرَ البيهقي قالوا: فجئ بِالْأُسَارَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا الَّذِينَ أُحْصُوا، وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ، مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ" وَكَانُوا مُشْرِكِينَ" لِأَنَّ الْمُفَسِّرِينَ رَوَوْا أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْأُسَارَى قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنَّا بِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ ضَعَّفَهُ مَالِكٌ، وَاحْتَجَّ عَلَى إِبْطَالِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ رُجُوعِهِمْ وَزِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ غَزَوْهُ فِي أُحُدٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ، فَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنَّمَا أُخْرِجَ كَرْهًا). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: (إِنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كَرْهًا لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَسْلَمَ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَذُكِرَ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ خيبر، وكان يكتب
(١). كذا في ج، ك، هـ. وفي ا، ب: تعنيته. وفي ى: تعييب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute