للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" ثانِيَ" بِنَصْبِ الْيَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُعْرَفُ غَيْرُ هَذَا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ" ثَانِي" بِسُكُونِ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: حَكَاهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سَكَّنَ الْيَاءَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْأَلِفِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهِيَ كَقِرَاءَةِ الْحَسَنِ" مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا" وَكَقَوْلِ جَرِيرٍ:

هُوَ الْخَلِيفَةُ فَارْضَوْا مَا رَضِي لَكُمْ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ مَا فِي حُكْمِهِ جَنَفَ «١»

الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ هُما فِي الْغارِ) الْغَارُ: ثُقْبٌ فِي الْجَبَلِ، يَعْنِي غَارَ ثَوْرٍ. وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ صَارُوا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالُوا: هَذَا شَرٌّ شَاغِلٌ لَا يُطَاقُ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّتُوهُ وَرَصَدُوهُ عَلَى بَابِ مَنْزِلِهِ طُولَ لَيْلَتِهِمْ لِيَقْتُلُوهُ إِذَا خَرَجَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُعَمِّيَ عَلَيْهِمْ أَثَرَهُ، فَطَمَسَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ فَخَرَجَ وَقَدْ غَشِيَهُمُ النَّوْمُ، فَوَضَعَ عَلَى رؤوسهم تُرَابًا وَنَهَضَ فَلَمَّا أَصْبَحُوا خَرَجَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَعَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَاتَ وَنَجَا. وَتَوَاعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِلْهِجْرَةِ، فَدَفَعَا رَاحِلَتَيْهِمَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَطَ. وَيُقَالُ ابْنُ أُرَيْقِطٍ، وَكَانَ كَافِرًا لَكِنَّهُمَا وَثِقَا بِهِ، وَكَانَ دَلِيلًا بِالطُّرُقِ فَاسْتَأْجَرَاهُ لِيَدُلَّ بِهِمَا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خَوْخَةٍ فِي ظَهْرِ دَارِ أَبِي بَكْرٍ الَّتِي فِي بَنِي جُمَحٍ وَنَهَضَا نَحْوَ الْغَارِ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَمِعَ مَا يَقُولُ النَّاسُ، وَأَمَرَ مَوْلَاهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ وَيُرِيحَهَا «٢» عَلَيْهِمَا لَيْلًا فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُمَا. ثُمَّ نَهَضَا فَدَخَلَا الْغَارَ. وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَأْتِيهِمَا بِالطَّعَامِ وَيَأْتِيهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْأَخْبَارِ، ثُمَّ يَتْلُوهُمَا عَامِرُ بن فهيرة بالغنم فيعفي آثار هما. فَلَمَّا فَقَدَتْهُ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ تَطْلُبُهُ بِقَائِفٍ مَعْرُوفٍ بِقِفَاءِ الْأَثَرِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْغَارِ فَقَالَ: هُنَا انْقَطَعَ الْأَثَرُ. فَنَظَرُوا فَإِذَا بِالْعَنْكَبُوتِ قَدْ نَسَجَ عَلَى فَمِ الْغَارِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِ فَلَمَّا رَأَوْا نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ أَيْقَنُوا أَنْ لَا أَحَدَ فِيهِ فَرَجَعُوا وَجَعَلُوا فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رده عليهم.


(١). راجع ج ٣ ص ٣٦٩.
(٢). يريحها: يردها.