مَاتَ وَمَعَ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ فَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ. قَالَ. لَا، جَهِّزُونِي. فَغَزَا فِي الْبَحْرِ فَمَاتَ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً يَدْفِنُونَهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَدَفَنُوهُ فِيهَا، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَمَّنْ رَأَى الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ بِحِمْصٍ عَلَى تَابُوتِ صَرَّافٍ، وَقَدْ فَضَلَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ سَمِنِهِ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ لِلْغَزْوِ. فَقِيلَ لَهُ: لَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: أَتَتْ عَلَيْنَا سُورَةُ الْبَعُوثِ" انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: خَرَجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَى الْغَزْوِ وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ عَلِيلٌ. فَقَالَ: اسْتَنْفَرَ اللَّهُ الْخَفِيفَ وَالثَّقِيلَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِّي الْحَرْبُ كَثَّرْتُ السَّوَادَ وَحَفِظْتُ الْمَتَاعَ. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رَأَى فِي غَزَوَاتِ الشَّامِ رَجُلًا قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمُّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عذرك فقال: يا بن أَخِي، قَدْ أُمِرْنَا بِالنَّفْرِ خِفَافًا وَثِقَالًا. وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- واسمه عمرويوم أُحُدٍ: أَنَا رَجُلٌ أَعْمَى، فَسَلِّمُوا لِي اللِّوَاءَ، فَإِنَّهُ إِذَا انْهَزَمَ حَامِلُ اللِّوَاءِ انْهَزَمَ الْجَيْشُ، وَأَنَا مَا أَدْرِي مَنْ يَقْصِدُنِي بِسَيْفِهِ فَمَا أبرح فأخذ اللواء يومئذ مصعب ابن عُمَيْرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [آلِ عِمْرَانَ] بَيَانُهُ «١». فَلِهَذَا وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِمَّا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قُلْنَا: إِنَّ النَّسْخَ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ تَكُونُ حَالَةً يَجِبُ فِيهَا نَفِيرُ الْكُلِّ، وَهِيَ: الرَّابِعَةُ- وَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ عَلَى قُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ، أَوْ بِحُلُولِهِ بِالْعُقْرِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَخْرُجُوا إِلَيْهِ خِفَافًا وَثِقَالًا، شَبَابًا وَشُيُوخًا، كُلٌّ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَمَنْ لَا أَبَ لَهُ، وَلَا يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ، مِنْ مُقَاتِلٍ أَوْ مُكَثِّرٍ. فَإِنْ عَجَزَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ عَنِ القيام بعدو هم كان على من قاربهم وجاور هم أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى حَسَبِ مَا لَزِمَ أَهْلَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ فِيهِمْ طَاقَةً عَلَى الْقِيَامِ بِهِمْ وَمُدَافَعَتِهِمْ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ علم بضعفهم عن عدو هم وَعَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُهُمْ وَيُمْكِنُهُ غِيَاثُهُمْ لَزِمَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ إِلَيْهِمْ، فَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، حَتَّى إِذَا قَامَ بِدَفْعِ الْعَدُوِّ أَهْلُ النَّاحِيَةِ الَّتِي نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا وَاحْتَلَّ بِهَا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْآخَرِينَ. وَلَوْ قَارَبَ الْعَدُوُّ
(١). راجع ج ٤ ص ٢٣٤ فما بعد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute