للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَفِي الرِّقابِ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ وهب والشافعي والليث والنخعي وغير هم. وَحَكَى عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْقُمِّيُّ الْحَنَفِيُّ فِي أَحْكَامِهِ: أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ مُرَادٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي عِتْقِ الرِّقَابِ، قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ:" وَذَكَرَ «١» وَجْهًا «٢» بَيَّنَهُ فِي مَنْعِ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ الْعِتْقَ إِبْطَالُ مِلْكٍ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَمَا يُدْفَعُ إِلَى الْمُكَاتَبِ تَمْلِيكٌ، وَمِنْ حَقِّ الصَّدَقَةِ أَلَّا تَجْزِيَ إِلَّا إِذَا جَرَى فِيهَا التَّمْلِيكُ. وَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنَ الزَّكَاةِ عَنِ الْغَارِمِ فِي دَيْنِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ فَلَأَنْ لَا يَجْزِي ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ أَوْلَى. وَذُكِرَ أَنَّ فِي الْعِتْقِ جَرَّ الْوَلَاءِ إِلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ فِي دَفْعِهِ لِلْمُكَاتَبِ. وَذُكِرَ أَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ إِذَا دَفَعَهُ إِلَى الْعَبْدِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْعَبْدُ، وَإِنْ دَفَعَهُ إِلَى سَيِّدِهِ فَقَدْ مَلَّكَهُ الْعِتْقَ. وَإِنْ دَفَعَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ فَهُوَ قَاضٍ دَيْنًا، وَذَلِكَ لَا يَجْزِي فِي الزَّكَاةِ". قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ يَنُصُّ عَلَى مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ عِتْقِ الرَّقَبَةِ وَإِعَانَةِ الْمَكَاتَبِ مَعًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ أَقَصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ «٣» أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أو ليستا واحدا؟ قال: (لا، عتق النسمة أن تنفرد بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفُوا فِي فَكِّ الْأُسَارَى مِنْهَا، فَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ، لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ مُلِكَتْ بِمِلْكِ الرِّقِّ فَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ رِقٍّ إِلَى عِتْقٍ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَقَّ وَأَوْلَى مِنْ فِكَاكِ الرِّقَابِ الَّذِي بِأَيْدِينَا، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فَكُّ الْمُسْلِمِ عَنْ رِقِّ الْمُسْلِمِ عِبَادَةً وَجَائِزًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي فَكِّ الْمُسْلِمِ عَنْ رِقِّ الْكَافِرِ وَذُلِّهِ. التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْغارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُمْ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اللَّهُمَّ إِلَّا مَنِ أد ان فِي سَفَاهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا وَلَا من غير ها إلا أن

يتوب.


(١). أي القمي.
(٢). الذي في أحكام القرآن للكيا: (وذكر وجو ها بينة في منع ذلك منها أنه العتق .. ) إلخ.
(٣). أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة واسعة كثيرة. [ ..... ]