للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل واحدة منهما شرطا فِي طَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ شَرْطًا إِجْمَاعًا. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّ النَّهْيَ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى فِعْلَيْنِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ إِلَّا بِهِمَا، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: لَا تَدْخُلَا الدَّارَ، فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا مَا وُجِدَتِ الْمُخَالَفَةُ مِنْهُمَا، لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى" وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ" [البقرة: ٣٥] نهي لهما" فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ" [البقرة: ٣٥] جَوَابُهُ، فَلَا يَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ حَتَّى يَفْعَلَا، فلما أكلت لم يصبها شي، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا وُجِدَ كَامِلًا. وَخَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى آدَمَ فَطَمِعَ وَنَسِيَ هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ" [طه: ١١٥] وَقِيلَ: نَسِيَ قَوْلَهُ:" إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى " [طه: ١١٧]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ هَلْ وَقَعَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- صَغَائِرُ مِنَ الذُّنُوبِ يُؤَاخَذُونَ بِهَا وَيُعَاتَبُونَ عَلَيْهَا أَمْ لَا- بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ فِيهَا شَيْنٌ وَنَقْصٌ إِجْمَاعًا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «١»، وَعِنْدَ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ «٢» أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيلِ الْعَقْلِ عَلَى أُصُولِهِمْ-، فَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ: تَقَعُ الصَّغَائِرُ مِنْهُمْ. خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّنْزِيلِ وَثَبَتَ مِنْ تَنَصُّلِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ. وَقَالَ جُمْهُورٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ كُلِّهَا كَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ أَجْمَعِهَا، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَآثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ أَمْرًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ، فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ لَمْ يُمْكِنِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ يَتَمَيَّزُ مَقْصِدُهُ مِنَ الْقُرْبَةِ وَالْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ لَعَلَّهُ مَعْصِيَةٌ، لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ إِذَا تَعَارَضَا من الأصوليين. قال


(١). هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم أبو بكر الباقلاني.
(٢). هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني. وفي الأصول: (عند الأستاذ أبي بكر) وهو تحريف. (راجع الكلام في عصمة الأنبياء في شرح المواقف).