للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" صَدَقَةً" مَأْخُوذٌ مِنَ الصِّدْقِ، إِذْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهِ، وَصِدْقِ بَاطِنِهِ مَعَ ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ." تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها" حَالَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ، التَّقْدِيرُ: خُذْهَا مُطَهِّرًا لَهُمْ وَمُزَكِّيًا لَهُمْ بِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا صِفَتَيْنِ لِلصَّدَقَةِ، أَيْ صَدَقَةً مُطَهِّرَةً لَهُمْ مُزَكِّيَةً، وَيَكُونُ فَاعِلَ تُزَكِّيهِمْ الْمُخَاطَبُ، وَيَعُودُ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي" بِها" عَلَى الْمَوْصُوفِ الْمُنَكَّرِ. وَحَكَى النَّحَّاسُ وَمَكِّيٌّ أَنَّ" تُطَهِّرُهُمْ" مِنْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ" وَتُزَكِّيهِمْ بِها" حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي" خُذْ" وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا حَالٌ مِنْ نَكِرَةٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ فَإِنَّكَ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، عَلَى الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ. وَيَجُوزُ الْجَزْمُ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ تَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرْهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ

وَقَرَأَ الْحَسَنُ تُطْهِرُهُمْ" بِسُكُونِ الطَّاءِ" وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْهَمْزَةِ مِنْ طَهَرَ وَأَطْهَرْتُهُ، مِثْلَ ظَهَرَ وَأَظْهَرْتُهُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أَصْلٌ فِي فِعْلِ كُلِّ إِمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْبَرَكَةِ. رَوَى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ) فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى). ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً" [التوبة: ٨٤]. قَالُوا: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ خُصَّ بِذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً" «١» [النور: ٦٣] الْآيَةَ. وَبِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّ الْخِطَابَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذَا. فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ برسول الله صلى الله


(١). راجع ج ١٢ ص ٣٢٢.