للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مَعَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحِجَارَةَ تَخْفِيفًا وَالْمَاءَ تَطْهِيرًا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ كَانَ عُلَمَاءُ الْقَيْرَوَانِ يَتَّخِذُونَ فِي مُتَوَضَّآتِهِمْ أَحْجَارًا فِي تُرَابٍ يُنَقَّوْنَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ. التَّاسِعَةُ- اللَّازِمُ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ التَّخْفِيفُ، وَفِي نَجَاسَةِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ التَّطْهِيرُ. وَذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ فِي حَالَتَيْ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَشَذَّ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ: لَا يُسْتَجْمَرُ بِالْأَحْجَارِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ فِي الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ تَرُدُّهُ. الْعَاشِرَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَا لَمْ يُتَفَاحَشْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- أَنَّهُ وَاجِبُ فَرْضٍ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَالِمًا كَانَ بِذَلِكَ أَوْ سَاهِيًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ وَالطَّبَرِيِّ، إِلَّا أَنَّ الطَّبَرِيَّ قَالَ: إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي مُرَاعَاةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ، وُجُوبَ سُنَّةٍ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ. قَالُوا: وَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فلا شي عَلَيْهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَبَا الْفَرَجِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي يَسِيرِ الدَّمِ: لَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَتُعَادُ مِنْ يَسِيرِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَنَحْوُ هَذَا كُلِّهِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلُ اللَّيْثِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: تَجِبُ إِزَالَتُهَا فِي حَالَةِ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ، وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أحد هما فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ). الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَحَسْبُكُ. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ [سُبْحَانَ «١»]. قَالُوا: وَلَا يُعَذَّبُ الْإِنْسَانُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، وَهَذَا ظاهر.


(١). راجع ج ١٠ ص ٢١٦.