للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَوْ عَجَّلَ اللَّهُ لِلنَّاسِ الْعُقُوبَةَ كَمَا يَسْتَعْجِلُونَ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ لَمَاتُوا، لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا فِي الدُّنْيَا خَلْقًا ضَعِيفًا، وَلَيْسَ هُمْ كَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْلَقُونَ لِلْبَقَاءِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ فَعَلَ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِثْلَ مَا يُرِيدُونَ فِعْلَهُ مَعَهُمْ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى" لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ". وقيل: إنه خاص بالكافر، أي ولو يجعل اللَّهُ لِلْكَافِرِ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا عَجَّلَ لَهُ خَيْرَ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ لَعَجَّلَ له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة، قاله ابْنُ إِسْحَاقَ. مُقَاتِلٌ: هُوَ قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ هَذَا لَهَلَكُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ أَهْلِكْهُ، اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهِ وَالْعَنْهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَلَوِ اسْتُجِيبَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا يُسْتَجَابُ الْخَيْرُ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ. فَالْآيَةُ نَزَلَتْ ذَامَّةً لِخُلُقٍ ذَمِيمٍ هُوَ فِي بَعْضِ النَّاسِ يَدْعُونَ فِي الْخَيْرِ فَيُرِيدُونَ تَعْجِيلَ الْإِجَابَةِ ثُمَّ يَحْمِلُهُمْ أَحْيَانًا سُوءُ الْخُلُقِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي الشَّرِّ، فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ لَهَلَكُوا. الثَّانِيَةُ- وَاخْتُلِفَ فِي إِجَابَةِ هَذَا الدُّعَاءِ، فَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَسْتَجِيبَ دُعَاءَ حبيب على حبيبه). وقال شهر ابن حَوْشَبٍ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْعَبْدِ: لَا تَكْتُبُوا عَلَى عَبْدِي فِي حَالِ ضَجَرِهِ شَيْئًا، لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ يُسْتَجَابُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ آخِرَ الْكِتَابِ، قَالَ جَابِرٌ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ «١» وَهُوَ يطلب المجدي بن عمرو الجهني


(١). بواط (بضم أوله): جبل من جبال جهينة بناحية رضوى (جبل بالمدينة عند ينبع) غزاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة يريد قريشا. [ ..... ]