وَالْفَتْحُ خَفِيفٌ، لِأَنَّ قَبْلَ التَّاءِ يَاءً مِثْلُ، أَيْنَ وَكَيْفَ، وَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ فَإِنَّمَا كَسَرَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْكَسْرُ، لِأَنَّ السَّاكِنَ إِذَا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلَى الْكَسْرِ، وَمَنْ ضَمَّ فَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْغَايَةِ، أَيْ قَالَتْ: دُعَائِي لَكَ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْإِضَافَةُ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ، مِثْلُ حَيْثُ وَبَعْدُ. وَقِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا مَرَّ. والآخر- أن يكون فعلا من هاء يهيئ مثل جاء يجئ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي" هِئْتُ" أَيْ حَسُنَتْ هَيْئَتُكَ، وَيَكُونُ" لَكَ" مِنْ كَلَامٍ آخَرَ، كَمَا تَقُولُ: لَكَ أَعْنِي. وَمَنْ هَمَزَ وَضَمَّ التَّاءَ فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ لَكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ" هِيتُ لَكَ". وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرٍو هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ- مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: سُئِلَ أَبُو عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مَهْمُوزًا فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: بَاطِلٌ، جَعَلَهَا مِنْ تَهَيَّأْتُ! اذْهَبْ فَاسْتَعْرِضِ الْعَرَبَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْيَمَنِ هَلْ تَعْرِفُ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا؟! وَقَالَ الْكِسَائِيُّ أَيْضًا: لَمْ تُحْكَ" هئت" عن العرب. قال عكرمة:" هيت لَكَ" أَيْ تَهَيَّأْتُ لَكَ وَتَزَيَّنْتُ وَتَحَسَّنْتُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تُسْمَعْ فِي الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ جَيِّدَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لأنه يقال: هاء الرجل يهاء ويهيئ هيأة فهاء يهيئ مثل جاء يجئ وهيت مِثْلُ جِئْتُ. وَكَسْرُ الْهَاءِ فِي" هَيْتَ" لُغَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْثِرُونَ كَسْرَ الْهَاءِ عَلَى فَتْحِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَجْوَدُ الْقِرَاءَاتِ" هَيْتَ" بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ، قَالَ طَرَفَةُ:
لَيْسَ قَوْمِي بِالْأَبْعَدِينَ إِذَا مَا ... وقال دَاعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْتَ
بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
أبلغ أمير المؤمن ... ين أَخَا الْعِرَاقِ إِذَا أَتَيْتَا
إِنَّ الْعِرَاقَ وَأَهْلَهُ ... سِلْمٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:" هَيْتَ" كَلِمَةٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ تَدْعُوهُ إِلَى نَفْسِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهَا بِالْقِبْطِيَّةِ «١» هَلُمَّ لَكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ حَوْرَانَ وَقَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْحِجَازِ مَعْنَاهُ تَعَالَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَسَأَلْتُ شَيْخًا عَالِمًا من حوران فذكر أنها
(١). في عين النبطية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute