للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهُنَّ يَقْطَعْنَ الْأُتْرُجَّ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى" أَكْبَرْنَهُ" فَرَوَى جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْظَمْنَهُ «١» وَهِبْنَهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَمْنَيْنَ وَأَمْذَيْنَ مِنَ الدَّهَشِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا رَأَيْنَ الْفَحْلَ مِنْ فَوْقِ قَارَّةٍ «٢» ... صَهَلْنَ وَأَكْبَرْنَ الْمَنِيَّ الْمُدَفَّقَا

وَقَالَ ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ قَالُوا أَمَذَيْنَ عِشْقًا، وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: عَشِقْنَهُ حَتَّى مَاتَ مِنْهُنَّ عَشْرٌ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ دَهَشًا وَحَيْرَةً وَوَجْدًا بِيُوسُفَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حِضْنَ مِنَ الدَّهَشِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ «٣»، قَالَ الشَّاعِرُ:

نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ ... وَلَا نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا

وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُنْ حِضْنَ مِنْ شِدَّةِ إِعْظَامِهِنَّ لَهُ، وَقَدْ تَفْزَعُ الْمَرْأَةُ فَتُسْقِطُ وَلَدَهَا أَوْ تَحِيضُ. قَالَ الزَّجَّاجُ يُقَالُ أَكْبَرْنَهُ، وَلَا يُقَالُ حِضْنَهُ، فَلَيْسَ الْإِكْبَارُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ، وَأَجَابَ الْأَزْهَرِيُّ فَقَالَ: يَجُوزُ أَكْبَرَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا حَاضَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَرَجَتْ مِنْ حَيِّزِ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ، قَالَ: وَالْهَاءُ فِي" أَكْبَرْنَهُ" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَاءَ الْوَقْفِ لَا هَاءَ الْكِنَايَةِ، وَهَذَا مُزَيَّفٌ، لِأَنَّ هَاءَ الْوَقْفِ تَسْقُطُ فِي الْوَصْلِ، وَأَمْثَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ مَصْدَرِ الْفِعْلِ، أَيْ أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا، بِمَعْنَى حِضْنَ حَيْضًا. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ تَعُودُ الْهَاءُ إِلَى يُوسُفَ، أَيْ أَعْظَمْنَ يُوسُفَ وَأَجْلَلْنَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) قَالَ مُجَاهِدٌ: قَطَّعْنَهَا حَتَّى أَلْقَيْنَهَا. وَقِيلَ: خَدَشْنَهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ [عَنْ مُجَاهِدٍ «٤»] قَالَ: حَزًّا بِالسِّكِّينِ، قَالَ النَّحَّاسُ: يُرِيدُ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ لَيْسَ قَطْعًا تَبِينُ مِنْهُ الْيَدُ، إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ وَحَزٌّ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ إِذَا خَدَشَ الْإِنْسَانُ يَدَ صَاحِبِهِ قَطَعَ يَدَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:" أَيْدِيَهُنَّ" أَكْمَامَهُنَّ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقِيلَ: أَنَامِلُهُنَّ، أَيْ مَا وَجَدْنَ أَلَمًا فِي الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ، أَيْ لِشُغْلِ قُلُوبِهِنَّ بِيُوسُفَ، وَالتَّقْطِيعُ يُشِيرُ إِلَى الْكَثْرَةِ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَرْجِعَ الْكَثْرَةُ إِلَى وَاحِدَةٍ جَرَحَتْ يدها في مواضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهن.


(١). في هامش ع: معنى" أَكْبَرْنَهُ" أي عظمنه ودهشن من حسنه.
(٢). القارة: الجبل الصغير المنقطع عن الجبال، وقيل: الصخرة العظيمة، وقيل غير ذلك.
(٣). قال ابن عطية وقوله:" أَكْبَرْنَهُ" معناه أعظمنه واستهولن جماله هذا قول المشهور. وقال عبد الصمد بن على الهاشمي عن أبيه عن جده: معناه حضن وأنشد:
نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا ... نَأْتِي النِّسَاءَ إذا أكبرن إكبارا
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف ومعناه منكور والبيت مصنوع مختلق، لذلك قال الطبري وغيره من المحققين: ليس عبد الصمد من رواة العلم رحمه الله. من هامش ع.
(٤). من ع وك.