للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَبِئْسَ الْقَرِينُ هُوَ مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى" مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" «١» [ق: ١٨] وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى" لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" [وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِكَ فَإِذَا تَوَاضَعْتَ لِلَّهِ رَفَعَكَ وَإِذَا تَجَبَّرْتَ عَلَى اللَّهِ قَصَمَكَ «٢»] وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْكَ وَلَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْكَ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيكَ لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِي فِيكَ وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْكَ فَهَؤُلَاءِ عَشْرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ يَتَدَاوَلُونَ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ لأن ملائكة الليل ليسوا بملائكة لنهار فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ وَإِبْلِيسُ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ". ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَالَ الْحَسَنُ: الْمُعَقِّبَاتُ أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَاخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ: أَنَّ الْمُعَقِّبَاتِ الْمَوَاكِبُ بَيْنَ أَيْدِي الْأُمَرَاءِ وَخَلْفَهُمْ، وَالْهَاءُ فِي" لَهُ" لَهُنَّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَوَامِرَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- قَضَى حُلُولَهُ وَوُقُوعَهُ بِصَاحِبِهِ، فَذَلِكَ لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ وَلَا يُغَيِّرُهُ. وَالْآخَرُ- قَضَى مَجِيئَهُ وَلَمْ يَقْضِ حُلُولَهُ وَوُقُوعَهُ، بَلْ قَضَى صَرْفَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحِفْظِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يَقَعَ مِنْهُمْ تَغْيِيرٌ، إِمَّا مِنْهُمْ أَوْ مِنَ النَّاظِرِ لَهُمْ، أَوْ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُمْ بِسَبَبٍ، كَمَا غَيَّرَ اللَّهُ بِالْمُنْهَزِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ بِسَبَبِ تَغْيِيرِ الرُّمَاةِ بِأَنْفُسِهِمْ، إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِيعَةِ، فَلَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْزِلُ بِأَحَدٍ عُقُوبَةٌ إِلَّا بِأَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْهُ ذَنْبٌ، بَلْ قَدْ تَنْزِلُ الْمَصَائِبُ بِذُنُوبِ الْغَيْرِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ سُئِلَ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ- نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" «٣». وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أَيْ هَلَاكًا وَعَذَابًا، (فَلا مَرَدَّ لَهُ) وَقِيلَ: إِذَا أَرَادَ بِهِمْ بَلَاءً مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَسْقَامٍ فلا مرد لبلائه. وقيل: إذا أراد الله بقوم سوءا أعمى


(١). راجع ج ١٧ ص ١١.
(٢). الزيادة من تفسير الطبري وغيره.
(٣). المراد بالخبث الفسق والفجور.