للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها" قَالَ: بِقَدْرِ مِلْئِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بِقَدْرِ صِغَرِهَا وَكِبَرِهَا. وَقَرَأَ الْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ وَالْحَسَنُ" بِقَدْرِهَا" بِسُكُونِ الدَّالِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا بِمَا قُدِّرَ لَهَا. وَالْأَوْدِيَةُ. جَمْعُ الْوَادِي، وَسُمِّيَ وَادِيًا لِخُرُوجِهِ وَسَيَلَانِهِ، فَالْوَادِي عَلَى هَذَا اسْمٌ لِلْمَاءِ السَّائِلِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ:" فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ" تَوَسُّعٌ، أَيْ سَالَ مَاؤُهَا فَحُذِفَ، قَالَ: وَمَعْنَى" بِقَدَرِها" بِقَدْرِ مِيَاهِهَا، لِأَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَا سَالَتْ بِقَدْرِ أَنْفُسِهَا." فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً" أَيْ طَالِعًا عَالِيًا مُرْتَفِعًا فَوْقَ الْمَاءِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. ثُمَّ قَالَ: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) وَهُوَ الْمَثَلُ الثَّانِي. (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أَيْ حِلْيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) قَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ. وَقَوْلُهُ:" زَبَدٌ مِثْلُهُ" أَيْ يَعْلُو هَذِهِ الْأَشْيَاءَ زَبَدٌ كَمَا يَعْلُو السَّيْلَ، وَإِنَّمَا احْتَمَلَ السَّيْلُ الزَّبَدَ لِأَنَّ الْمَاءَ خَالَطَهُ تُرَابُ الْأَرْضِ فَصَارَ ذَلِكَ زَبَدًا، كَذَلِكَ مَا يُوقَدُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ مِنَ الْجَوْهَرِ وَمِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِمَّا يَنْبَثُّ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَعَادِنِ فَقَدْ خَالَطَهُ التُّرَابُ، فَإِنَّمَا يُوقَدُ عَلَيْهِ لِيَذُوبَ فَيُزَايِلُهُ تُرَابُ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) قَالَ مُجَاهِدٌ: جُمُودًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ إِذَا غَلَتْ حَتَّى يَنْصَبَّ «١» زَبَدُهَا، وَإِذَا جَمَدَ فِي أَسْفَلِهَا. وَالْجُفَاءُ مَا أَجْفَاهُ الْوَادِي أَيْ رَمَى بِهِ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رُؤْبَةَ يَقْرَأُ" جُفَالًا" قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ أَجَفَلَتِ الْقِدْرُ إِذَا قَذَفَتْ بِزَبَدِهَا، وَأَجْفَلَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ إِذَا قَطَعَتْهُ. (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْمَاءُ الْخَالِصُ الصَّافِي. وَقِيلَ: الْمَاءُ وَمَا خَلَصَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَثَلَيْنِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ لِلْحَقِّ فِي ثَبَاتِهِ، وَالْبَاطِلِ فِي اضْمِحْلَالِهِ، فَالْبَاطِلُ وَإِنْ عَلَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ كَاضْمِحْلَالِ الزَّبَدِ وَالْخَبَثِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ وَمَا يَدْخُلُ مِنْهُ الْقُلُوبَ، فَشَبَّهَ الْقُرْآنَ بِالْمَطَرِ لِعُمُومِ خَيْرِهِ وَبَقَاءِ نَفْعِهِ، وَشَبَّهَ الْقُلُوبَ بِالْأَوْدِيَةِ، يَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ مِثْلُ مَا يَدْخُلُ فِي الْأَوْدِيَةِ بِحَسَبِ سَعَتِهَا وَضِيقِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً" قَالَ: قُرْآنًا،" فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها" قَالَ: الْأَوْدِيَةُ قلوب العباد. قال صاحب


(١). في زوى: ينضب. بالمعجمة.