للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِظَاهِرٍ يَعْلَمُهُ فَقُلْ لَهُمْ: سَمُّوهُمْ، فَإِذَا سَمَّوْهُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ شَرِيكًا. وَقِيلَ:" أَمْ تُنَبِّئُونَهُ" عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ:" أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ" أَيْ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ، أَمْ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ، أَيْ أَنْتُمْ تَدَّعُونَ لِلَّهِ شَرِيكًا، وَاللَّهُ لَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ شَرِيكًا، أَفَتُنَبِّئُونَهُ بِشَرِيكٍ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ! وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَرْضَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمُ ادَّعَوْا لَهُ شُرَكَاءَ فِي الْأَرْضِ. وَمَعْنَى. (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ): الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ بِبَاطِلٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَعَيَّرْتَنَا أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا ... وَذَلِكَ عَارٌ يَا ابْنَ رَيْطَةَ ظَاهِرُ

أَيْ بَاطِلٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِكَذِبٍ مِنَ الْقَوْلِ. وَيَحْتَمِلُ خَامِسًا «١» - أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ مِنَ الْقَوْلِ حُجَّةً يُظْهِرُونَهَا بِقَوْلِهِمْ، ويكون معنى الكلام: أتجبرونه بِذَلِكَ مُشَاهِدِينَ، أَمْ تَقُولُونَ مُحْتَجِّينَ. (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أَيْ دَعْ هَذَا! بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قِيلَ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَيْ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ، لَكِنْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ-" بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ" مُسَمَّى الْفَاعِلِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ فَالَّذِي زَيَّنَ لِلْكَافِرِينَ مَكْرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: الشَّيْطَانُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الْكُفْرُ مَكْرًا، لِأَنَّ مَكْرَهُمْ بِالرَّسُولِ كَانَ كُفْرًا. (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أَيْ صَدَّهُمُ اللَّهُ، وَهِيَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ. الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، أَيْ صَدُّوا غَيْرَهُمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ:" وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" «٢» [الأنفال: ٤٧] وَقَوْلُهُ:" هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ" «٣» [الفتح: ٢٥]. وَقِرَاءَةُ الضَّمِّ أَيْضًا حَسَنَةٌ فِي" زُيِّنَ" وَ" صُدُّوا" لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَلْقَمَةُ-" وَصُدُّوا" بِكَسْرِ الصَّادِ، وَكَذَلِكَ." هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا" «٤» [يوسف: ٦٥] بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَصْلُهَا صُدِدُوا وَرُدِدَتْ، فَلَمَّا أُدْغِمَتِ الدَّالُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا فَانْكَسَرَ. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ) بِخِذْلَانِهِ. (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أَيْ مُوَفِّقٌ، وَفِي هَذَا إثبات قراءة الكوفيين


(١). كذا في الأصول. ويبدو أن في العبارة نقصا، ولعل الرابع ما في البحر: وقيل .. أم متصلة والتقدير أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة له.
(٢). راجع ج ٨ ص ٢٥.
(٣). راجع ج ١٦ ص ٢٨٣.
(٤). راجع ص ٢٢٣ من هذا الجزء.