للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا بِالثَّانِي، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ رَاجِعٌ إِلَى إِتْقَانِ الْعِبَادَةِ وَمُرَاعَاتِهَا بِأَدَائِهَا الْمُصَحَّحَةِ وَالْمُكَمَّلَةِ، وَمُرَاقَبَةِ الْحَقِّ فِيهَا وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ حَالَةَ الشُّرُوعِ وَحَالَةَ الِاسْتِمْرَارِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". وَأَرْبَابُ الْقُلُوبِ فِي هَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ عَلَى حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا غَالِبٌ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ يَرَاهُ. وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِقَوْلِهِ:" وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ". وَثَانِيهُمَا- لَا تَنْتَهِي إِلَى هَذَا، لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَمَشَاهِدٌ لَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ

«١» وَقَوْلُهُ:" إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ «٢» " الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى أَيِ الْقَرَابَةِ، يَقُولُ: يُعْطِيهِمُ الْمَالَ كَمَا قَالَ:" وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ «٣» " يَعْنِي صِلَتَهُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي إِيجَابِ إِيتَاءِ الْمُكَاتَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَإِنَّمَا خَصَّ ذَا الْقُرْبَى لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ أَوْكَدُ وَصِلَتَهُمْ أَوْجَبُ، لِتَأْكِيدِ حَقِّ الرَّحِمِ الَّتِي اشْتَقَّ اللَّهُ اسْمَهَا مِنَ اسْمِهِ، وَجَعَلَ صِلَتَهَا مِنْ صِلَتِهِ، فَقَالَ فِي الصَّحِيحِ:" أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ «٤» ". وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) الْفَحْشَاءُ: الْفُحْشُ، وَهُوَ كُلُّ قَبِيحٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. ابن عباس: هو الزنى. وَالْمُنْكَرُ: مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ وَالدَّنَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. وَقِيلَ هُوَ الشِّرْكُ. وَالْبَغْيُ: هُوَ الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ وَالْحِقْدُ وَالتَّعَدِّي، وَحَقِيقَتُهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتِ الْمُنْكَرِ، لَكِنَّهُ تَعَالَى خَصَّهُ بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِهِ لِشِدَّةِ ضَرَرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا ذَنْبَ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ بَغْيٍ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" الْبَاغِي مَصْرُوعٌ". وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ بِالنَّصْرِ. وَفَى بَعْضُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ: لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجُعِلَ الْبَاغِي مِنْهُمَا دكا.


(١). راجع ج ١٣ ص ...
(٢). راجع ج ٨ ص ٣٥٥. [ ..... ]
(٣). راجع ص ٢٤٧ من هذا الجزء
(٤). راجع صحيح البخاري في كتاب التفسير في سورة محمد وكتاب الأدب والتوحيد. وصحيح مسلم في كتاب الأدب.