التَّكَبُّرُ وَالْمُرَادُ بِخَرْقِ الْأَرْضِ هُنَا نَقْبُهَا لَا قَطْعُهَا بِالْمَسَافَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ لَنْ تَقْطَعَهَا. النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَبْيَنُ، لِأَنَّهُ «١» مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَرْقِ وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَخْرَقُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَكْثَرُ سَفَرًا وَعِزَّةً وَمَنَعَةً. وَيُرْوَى أَنَّ سَبَأً دَوَّخَ الْأَرْضَ بِأَجْنَادِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَسَهْلًا وَجَبَلًا، وَقَتَلَ سَادَةً وَسَبَى- وَبِهِ سُمِّيَ سَبَأٌ- وَدَانَ لَهُ الْخَلْقُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا نِلْتُ مَا لَمْ يَنَلْ أَحَدٌ رَأَيْتُ الِابْتِدَاءَ بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ، فَلَمْ أَرَ أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ إِذَا أَشْرَقَتْ، فَسَجَدُوا لَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ، فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمَرَحِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) " ذلِكَ" إِشَارَةٌ إِلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ." ذلِكَ" يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَمَسْرُوقٌ" سَيِّئُهُ" عَلَى إِضَافَةِ سَيِّئٍ إِلَى الضَّمِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:" مَكْرُوهاً" نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ. وَالسَّيِّءُ: هُوَ الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيِ مِنْ قَوْلِهِ:" وَقَضى رَبُّكَ"- إِلَى قَوْلِهِ- كَانَ" سَيِّئُهُ" مَأْمُورَاتٌ بِهَا وَمُنْهَيَاتٌ عَنْهَا، فَلَا يُخْبِرُ عَنِ الْجَمِيعِ بِأَنَّهُ سَيِّئَةٌ فَيَدْخُلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ." كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَاتُهُ" فَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْإِضَافَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو" سَيِّئَةً" بِالتَّنْوِينِ، أَيْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ سَيِّئَةٌ. وَعَلَى هَذَا انْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" ثُمَّ قَالَ:" وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"،" وَلا تَمْشِ"، ثُمَّ قَالَ:" كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً" بِالتَّنْوِينِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ:" وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ" إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ سَيِّئَةً لَا حَسَنَةَ فِيهِ، فَجَعَلُوا" كُلًّا" مُحِيطًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ:" مَكْرُوهاً" لَيْسَ نَعْتًا لِسَيِّئَةٍ، بَلْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، وَالتَّقْدِيرُ: كَانَ سَيِّئَةً وَكَانَ مَكْرُوهًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ" مَكْرُوهاً" خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ حُمِلَ عَلَى لَفْظِهِ كُلُّ، وَ" سَيِّئَةٌ" مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ نَعْتٌ لِسَيِّئَةٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا كان
(١). في ج وى: كأنه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute