للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو" وَعَدْنَا" بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَرَجَّحَهُ وَأَنْكَرَ" واعَدْنا" قَالَ: لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْبَشَرِ فَأَمَّا الله عز وجل فَإِنَّمَا هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. عَلَى هَذَا وَجَدْنَا الْقُرْآنَ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ" «١» (إِبْرَاهِيمَ: ٢٢) وَقَوْلُهُ:" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ" «٢» (الْفَتْحِ: ٢٩) وَقَوْلُهُ:" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ" [الأنفال: ٧]. قَالَ مَكِّيٌّ: وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فِيهِ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى، وَلَيْسَ فِيهِ وَعْدٌ مِنْ مُوسَى، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَاحِدِ، لِظَاهِرِ النَّصِّ أَنَّ الْفِعْلَ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَأَبِي رَجَاءٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَرَأَ قَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عِنْدَنَا" وَعَدْنَا" بِغَيْرِ أَلِفٍ، لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُتَكَافِئِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعِدُ صَاحِبَهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِيعَادُ: الْمُوَاعَدَةُ وَالْوَقْتُ وَالْمَوْضِعُ. قَالَ مَكِّيٌّ: الْمُوَاعَدَةُ أَصْلُهَا مِنَ اثْنَيْنِ، وَقَدْ تَأْتِي الْمُفَاعَلَةُ مِنْ وَاحِدٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالُوا: طَارَقْتُ النَّعْلَ، وَدَاوَيْتُ الْعَلِيلَ، وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَالْفِعْلُ مِنْ وَاحِدٍ. فَيَكُونُ لَفْظُ الْمُوَاعَدَةِ مِنَ اللَّهِ خَاصَّةً لِمُوسَى كَمَعْنَى وَعَدْنَا، فَتَكُونُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والاختبار" واعَدْنا" بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى" وَعَدْنَا" فِي أَحَدِ معنييه، ولأنه لأبد لِمُوسَى مِنْ وَعْدٍ أَوْ قَبُولٍ يَقُومُ مَقَامَ الْوَعْدِ فَتَصِحُّ الْمُفَاعَلَةُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَقِرَاءَةُ" واعَدْنا" بِالْأَلِفِ أَجْوَدُ وَأَحْسَنُ، وَهِيَ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ وَالْأَعْرَجِ وَابْنِ كَثِيرٍ وَنَافِعٍ وَالْأَعْمَشِ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ" من هذا في شي، لِأَنَّ" واعَدْنا مُوسى " إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمُوَافَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي شي، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِكَ: مَوْعِدُكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَوْعِدُكَ مَوْضِعَ كَذَا. وَالْفَصِيحُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: وَاعَدْتُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ:" واعَدْنا" هَا هُنَا بِالْأَلِفِ جَيِّدٌ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِي القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله عز وجل وَعْدٌ، وَمِنْ مُوسَى قَبُولٌ وَاتِّبَاعٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمُوَاعَدَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَرَجَّحَ أَبُو عُبَيْدَةَ" وَعَدْنَا" وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ قَبُولَ مُوسَى لِوَعْدِ الله والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة.


(١). راجع ج ٩ ص ٣٥٦.
(٢). راجع ج ١٢ ص ٢٩٧