للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: لَعَلَّ هَذَا مِنَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَهْدِ دِقْيَانُوسَ الْمَلِكِ، فَقَدْ كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِيهِمْ، وَسَأَلَ الْفَتَى فَأَخْبَرَهُ، فَسُرَّ الْمَلِكُ بِذَلِكَ وَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ آيَةً، فَلْنَسِرْ إِلَى الْكَهْفِ معه، فركب أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا دَنَوْا إِلَى الْكَهْفِ قال تمليحا: أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَرْعَبُوا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعْلَمَهُمُ الْأَمْرَ وَأَنَّ الْأُمَّةَ أُمَّةُ إِسْلَامٍ، فَرُوِيَ أَنَّهُمْ سُرُّوا بِذَلِكَ وَخَرَجُوا إِلَى الْمَلِكِ وَعَظَّمُوهُ وَعَظَّمَهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى كَهْفِهِمْ. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُمْ مَاتُوا حِينَ حَدَّثَهُمْ تمليخا مَيْتَةَ الْحَقِّ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَرَجَعَ مَنْ كَانَ شَكَّ فِي بَعْثِ الْأَجْسَادِ إِلَى الْيَقِينِ. فَهَذَا مَعْنَى" أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ. لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" أَيْ لِيَعْلَمَ الْمَلِكُ وَرَعِيَّتُهُ أَنَّ الْقِيَامَةَ حَقٌّ وَالْبَعْثَ حَقٌّ" إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ". وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ الْوَاحِدِ عَلَى خَبَرِهِمْ وَهَابُوا الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا، فَقَالَ الَّذِينَ. هُمْ عَلَى دِينِ الْفِتْيَةِ: اتَّخِذُوا عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَرُوِيَ أَنَّ طَائِفَةً كَافِرَةً قَالَتْ: نَبْنِي بِيعَةً أَوْ مَضِيفًا «١»، فَمَانَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْقَوْمِ ذَهَبَ إِلَى طَمْسِ الْكَهْفِ عَلَيْهِمْ وَتَرَكِهِمْ فِيهِ مُغَيَّبِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «٢» بْنِ عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْمَى عَلَى النَّاسِ حِينَئِذٍ أثرهم وحجبهم عنهم، فذلك دعا [الملك «٣»] إِلَى بِنَاءِ الْبُنْيَانِ لِيَكُونَ مَعْلَمًا لَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَدْفِنَهُمْ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَاهُ آتٍ مِنْهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَنَا فِي صُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَا تَفْعَلُ، فَإِنَّا مِنَ التُّرَابِ خُلِقْنَا وَإِلَيْهِ نَعُودُ، فَدَعْنَا. وَتَنْشَأُ هُنَا مَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ وَجَائِزَةٌ، فَاتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّنَّةُ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ مَمْنُوعٌ لَا يَجُوزُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الصَّحِيحَانِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إن أولئك ذا كان فيهم


(١). في ج ووحاشية الجمل عن القرطبي: مصنعا.
(٢). في ج:" عن عبيد بن عمير".
(٣). من الجمل عن المصنف.