للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبَنِينَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ هَذِهِ الحياة المحتقر فَلَا تُتْبِعُوهَا نُفُوسَكُمْ. وَهُوَ رَدٌّ عَلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَأَمْثَالِهِ لَمَّا افْتَخَرُوا بِالْغِنَى وَالشَّرَفِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَهُوَ غُرُورٌ يَمُرُّ وَلَا يَبْقَى، كَالْهَشِيمِ حِينَ ذَرَتْهُ الرِّيحُ، إِنَّمَا يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ زَادِ الْقَبْرِ وَعُدَدِ الْآخِرَةِ. وَكَانَ يُقَالُ: لَا تَعْقِدْ قَلْبَكَ مَعَ الْمَالِ لِأَنَّهُ في ذَاهِبٌ، وَلَا مَعَ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا الْيَوْمَ مَعَكَ وَغَدًا مَعَ غَيْرِكَ، وَلَا مَعَ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ اليوم لك وغدا لغيرك. ويكفى قي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:" أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

«١» وَقَالَ تَعَالَى:" إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «٢» ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أَيْ مَا يَأْتِي بِهِ سَلْمَانُ وَصُهَيْبٌ وَفُقَرَاءُ المسلمين من الطاعات. (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) أَيْ أَفْضَلُ. (وَخَيْرٌ أَمَلًا) أي أفضل مِنْ ذِي الْمَالِ وَالْبَنِينَ دُونَ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَيْسَ فِي زِينَةِ الدُّنْيَا خَيْرٌ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ قَوْلِهِ:" أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «٣» ". وَقِيلَ: خَيْرٌ فِي التَّحْقِيقِ مِمَّا يَظُنُّهُ الْجُهَّالُ أنه خير في ظنهم. واختلف العلماء في" الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ"، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مَيْسَرَةَ وَعَمْرُو ابْنُ شُرَحْبِيلَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّهَا كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَبْقَى لِلْآخِرَةِ. وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا بَقِيَ ثَوَابُهُ جاز أن يقال له هذا. وقال لي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَرْثُ حَرْثَانِ فَحَرْثُ الدُّنْيَا الْمَالُ وَالْبَنُونَ، وَحَرْثُ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَقَدْ يَجْمَعُهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ الْكَلِمَاتُ الْمَأْثُورُ فَضْلُهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. أَسْنَدَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ


(١). راجع ج ١٨ ص ١٤٠.
(٢). راجع ج ١٨ ص ١٤٠.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢١ ص فما بعد.