للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْنِي أَمَامِي. وَالثَّانِي- أَنَّ وَرَاءَ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ أَمَامَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَالْأَزْمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يَجُوزُهَا فَتَصِيرُ وَرَاءَهُ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا. الثَّالِثُ- أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَجْسَامِ الَّتِي لَا وَجْهَ لَهَا كَحَجَرَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى. وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الْمَلِكِ فَقِيلَ: هُدَدُ بْنُ بُدَدَ. وَقِيلَ: الْجَلَنْدِيُّ، وَقَالَهُ السُّهَيْلِيُّ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ اسْمَ الْمَلِكِ الْآخِذِ لِكُلِّ سَفِينَةٍ غَصْبًا فَقَالَ: هُوَ [هُدَدُ بن بدد والغلام المقتول «١»] اسمه جيسور، وَهَكَذَا قَيَّدْنَاهُ فِي (الْجَامِعِ) مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الْمَرْوَزِيِّ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْسُورُ بِالْحَاءِ وَعِنْدِي فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: وَهِيَ حَيْسُونُ. وَكَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ جَيِّدَةٍ غَصْبًا فَلِذَلِكَ عَابَهَا الْخَضِرُ وَخَرَقَهَا، فَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ الْعَمَلُ بِالْمَصَالِحِ إِذَا تَحَقَّقَ وَجْهُهَا، وَجَوَازُ إِصْلَاحِ كُلِّ الْمَالِ بِإِفْسَادِ بَعْضِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَجْهُ الْحِكْمَةِ بِخَرْقِ السَّفِينَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا، فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ، الْحَدِيثَ. وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الْحَضُّ عَلَى الصَّبْرِ فِي الشَّدَائِدِ، فَكَمْ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" «٢» [البقرة: ٢١٦]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) ٨٠ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ: (أَنَّهُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) وَهَذَا يُؤَيِّدُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ مَعَ كونه بالغا، وقد تقدم. [هذا المعنى [«٣». قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) ٨٠ قِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ خِفْنَا (أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) ٨٠، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَ لَهُ الِاجْتِهَادَ فِي قَتْلِ النُّفُوسِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْهُ عَبَّرَ الْخَضِرُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَاهُ فَعَلِمْنَا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ فَعَلِمْنَا، وَهَذَا كَمَا كَنَّى عَنِ الْعِلْمِ بِالْخَوْفِ فِي قَوْلِهِ" إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ" «٤» [البقرة: ٢٢٩]. وَحُكِيَ أَنَّ أُبَيًّا قَرَأَ:" فَعَلِمَ رَبُّكَ" وَقِيلَ: الْخَشْيَةُ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ، يُقَالُ: فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا خَشْيَةَ أن


(١). الزيادة من صحيح البخاري.
(٢). راجع ج ٣ ص ٣٩ وص ١٣٧.
(٣). من ج وك وى.
(٤). الزيادة من صحيح البخاري.