للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيِّ- وَكَانَ خَالِدُ رَجُلًا قَدْ أَدْرَكَ النَّاسَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: (مَلِكٌ مَسَحَ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا بِالْأَسْبَابِ). وَقَالَ خَالِدٌ: وَسَمِعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلًا يَقُولُ يَا ذا القرنين، فقال: [عمر «١»] اللَّهُمَّ غُفْرًا «٢» أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تُسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة! فقال ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ؟ أَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْحَقُّ مَا قَالَ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ، سمع رجل يَدْعُو آخَرَ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا كَفَاكُمْ أَنْ تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ! وَعَنْهُ أَنَّهُ عَبْدُ مَلِكٍ (بِكَسْرِ اللَّامِ) صَالِحٍ نَصَحَ اللَّهَ فَأَيَّدَهُ. وَقِيلَ: هُوَ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ الْأَرْضَ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَلَكًا يُقَالُ لَهُ رَبَاقِيلُ «٣» كَانَ يَنْزِلُ عَلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَذَلِكَ الْمَلَكُ هُوَ الَّذِي يطوي الأرض يوم القيامة، وينقصها فَتَقَعُ أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ بِالسَّاهِرَةِ «٤»، فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا مُشَاكِلٌ بِتَوْكِيلِهِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ الَّذِي قَطَعَ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا ومغاربها، كما أن قصة خالد ابن سِنَانٍ فِي تَسْخِيرِ النَّارِ لَهُ مُشَاكِلَةٌ بِحَالِ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهَا، وَهُوَ مَالِكٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ أَجْمَعِينَ. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي كِتَابِ الْبَدْءِ لَهُ خَالِدَ بْنَ سِنَانٍ الْعَبْسِيَّ وَذَكَرَ نُبُوَّتَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ وُكِّلَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ أَنَّ نَارًا يُقَالُ لَهَا: نَارُ الْحَدَثَانِ، كَانَتْ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغَارَةٍ فَتَأْكُلُ النَّاسَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا، فَرَدَّهَا خالد ابن سِنَانٍ فَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ. وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ بِذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَأَمَّا اسْمُهُ فَقِيلَ: هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ الْمَلِكُ الْيُونَانِيُّ الْمَقْدُونِيُّ، وَقَدْ تُشَدَّدُ قَافُهُ فَيُقَالُ: الْمَقَّدُونِيُّ. وَقِيلَ: اسْمُهُ هَرْمَسُ. وَيُقَالُ: اسْمُهُ هرديس. وقال ابن هشام: هو الصعب


(١). من ج وك وى.
(٢). في ج: عفوا.
(٣). كذا في الأصول وفي قصص الأنبياء الثعلبي (رفائيل) وفي الدر المنثور (زرافيل).
(٤). الساهرة: أرض يجددها الله يوم القيامة.