للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّلَامُ، لِقَوْلِهِ: (فَتَمَثَّلَ لَها)

أَيْ تَمَثَّلَ الْمَلَكُ لَهَا. (بَشَراً)

تَفْسِيرٌ أَوْ حَالٌ. (سَوِيًّا) ١٠

أَيْ مُسْتَوِي الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِتُطِيقَ أَوْ تَنْظُرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ. وَلَمَّا رَأَتْ رَجُلًا حَسَنَ الصُّورَةِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ قَدْ خَرَقَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ ظَنَّتْ أَنَّهُ يُرِيدُهَا بِسُوءٍ فَ (- قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا)

أَيْ مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ. الْبِكَالِيُّ: فَنَكَصَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَزِعًا مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. الثَّعْلَبِيُّ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَتَعَوَّذَتْ بِهِ تَعَجُّبًا. وَقِيلَ: تَقِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ كُنْتَ مِمَّنْ يُتَّقَى مِنْهُ. فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ:" إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

". وَقِيلَ: تَقِيٌّ اسْمُ فَاجِرٍ مَعْرُوفٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبٌ مَعَ التَّخَرُّصِ. فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)

جَعَلَ الْهِبَةَ مِنْ قِبَلِهِ لَمَّا كَانَ الْإِعْلَامُ بِهَا مِنْ قِبَلِهِ. وَقَرَأَ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ" لِيَهَبَ لَكِ" عَلَى مَعْنَى أَرْسَلَنِي اللَّهُ لِيَهَبَ لَكِ. وَقِيلَ: مَعْنَى" لِأَهَبَ

" بِالْهَمْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ قَالَ: أَرْسَلْتُهُ لِأَهَبَ لَكِ. وَيَحْتَمِلُ" لِيَهَبَ" بِلَا هَمْزٍ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوزِ ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ. فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْيَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَفْهَمَتْ عَنْ طَرِيقِهِ فَ (- قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ٢٠ أَيْ بِنِكَاحٍ. (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ٢٠ أَيْ زَانِيَةً. وَذَكَرَتْ هَذَا تَأْكِيدًا، لِأَنَّ قَوْلَهَا لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يَشْمَلُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ. وَقِيلَ: مَا اسْتَبْعَدَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا وَلَكِنْ أَرَادَتْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ؟ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمْ يَخْلُقُهُ اللَّهُ ابْتِدَاءً؟ وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَكُمِّهَا، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُدْنَ قَمِيصِهَا بِأُصْبُعِهِ فَنَفَخَ فِيهِ فَحَمَلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا بِعِيسَى. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ بِعِيسَى وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَّ عِيسَى عَاشَ إِلَى أَنْ رُفِعَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَيَّامًا، وَأَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ سِنِينَ، فَكَانَ جَمِيعُ عُمْرِهَا نَيِّفًا «١» وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَقَوْلُهُ: (وَلِنَجْعَلَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ وَنَخْلُقُهُ لِنَجْعَلَهُ: (آيَةً) ١٠ دَلَالَةً عَلَى قدرتنا عجيبة (وَرَحْمَةً) [أي «٢»] لِمَنْ آمَنَ بِهِ. (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) مُقَدَّرًا «٣» في اللوح مسطورا.


(١). في ج: ستا وخمسين.
(٢). من ك.
(٣). في ج: مقدورا.