للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَزِيدَ الْبَرْبَرِيِّ" وَزِيًّا" بِالزَّايِ فَهُوَ الْهَيْئَةُ وَالْحُسْنُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوَيْتُ أَيْ جَمَعْتُ، فَيَكُونُ أَصْلُهَا زَوِيًّا فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ) أَيْ جُمِعَتْ، أَيْ فَلَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلْيَعِشْ هَؤُلَاءِ مَا شَاءُوا فَمَصِيرُهُمْ إِلَى الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ وَإِنْ عُمِّرُوا، أَوِ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ يَأْخُذُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) أَيْ فِي الْكُفْرِ (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أَيْ فَلْيَدَعْهُ فِي طُغْيَانِ جَهْلِهِ وَكُفْرِهِ فَلَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ أي من كان الضَّلَالَةِ مَدَّهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى يَطُولَ اغْتِرَارُهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ لِعِقَابِهِ. نَظِيرُهُ:" إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً" «١» [آل عمران: ١٧٨] وقوله:" وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١٠" «٢» [الانعام: ١١٠] وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، أَيْ فَلْيَعِشْ مَا شَاءَ، وَلْيُوَسِّعْ لِنَفْسِهِ فِي الْعُمُرِ، فَمَصِيرُهُ إِلَى الْمَوْتِ وَالْعِقَابِ. وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ. وَقِيلَ: هَذَا دُعَاءٌ أُمِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: مَنْ سَرَقَ مَالِي فَلْيَقْطَعِ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ: فَهُوَ دُعَاءٌ عَلَى السَّارِقِ. وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ قَوْلُهُ:" فَلْيَمْدُدْ" خَبَرًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) قال:" رَأَوْا" لان لفظ" من" يصلح للواحد والجمع. و" إذا" مَعَ الْمَاضِي بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ حَتَّى يَرَوْا مَا يُوعَدُونَ وَالْعَذَابُ هُنَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْأَسْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَيَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ. (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) أَيْ تَنْكَشِفُ حِينَئِذٍ الْحَقَائِقُ وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا). قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) أَيْ وَيُثَبِّتُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْهُدَى وَيَزِيدُهُمْ فِي النُّصْرَةِ وَيُنْزِلُ مِنَ الْآيَاتِ مَا يَكُونُ سَبَبَ زِيَادَةِ الْيَقِينِ مُجَازَاةً لَهُمْ وَقِيلَ: يَزِيدُهُمْ هُدًى بِتَصْدِيقِهِمْ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ غيرهم قال معناه الكلبي ومقاتل.


(١). راجع ج ٤ ص ٢٨٦ فما بعد.
(٢). راجع ج ٧ ص ٦٥.