الْفَرَّاءُ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَلِمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاءٌ. (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ) يَعْنِي الْهَلَاكَ وَالدَّمَارَ فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُودَ فِي جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ. (عَلى مَنْ كَذَّبَ) أَنْبِيَاءَ اللَّهِ (وَتَوَلَّى) أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ لِلْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى) ٢٠: ٤٩ ذَكَرَ فِرْعَوْنُ موسى دون هرون لِرُءُوسِ الْآيِ. وَقِيلَ: خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَالْكَلَامِ وَالْآيَةِ. وَقِيلَ إِنَّهُمَا جَمِيعًا بَلَّغَا الرِّسَالَةَ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا، لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ وَاحِدٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ وَازَرَهُ الْآخَرُ وَأَيَّدَهُ. فَصَارَ لَنَا فِي هَذَا الْبِنَاءِ فَائِدَةُ عِلْمٍ، أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا قُلِّدَا أَمْرًا فَقَامَ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ شَخْصُهُ هُنَاكَ مَوْجُودٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَنَّهُمَا أَدَّيَا الْأَمْرَ الَّذِي قُلِّدَا وَقَامَا بِهِ وَاسْتَوْجَبَا الثَّوَابَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:" اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ ٢٠: ٤٣" وَقَالَ:" اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ٢٠: ٤٢" وَقَالَ:" فَقُولا لَهُ ٢٠: ٤٤" فَأَمَرَهُمَا جَمِيعًا بِالذَّهَابِ وَبِالْقَوْلِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ:" فَمَنْ رَبُّكُما ٢٠: ٤٩" أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ مُوسَى. (قالَ) مُوسَى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ٢٠: ٥٠ أَيْ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِصِفَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اسْمٌ عَلَمٌ حَتَّى يقال فلان بل هو خالق العالم، وهو الذي خَصَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ بِهَيْئَةٍ وَصُورَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَهُمَا لَقَالَا: قَالَا رَبُّنَا. وَ" خَلْقَهُ" أَوَّلُ مَفْعُولَيْ أَعْطَى، أَيْ أَعْطَى خَلِيقَتَهُ كُلَّ شي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ، أَوْ ثَانِيهِمَا أَيْ أعطى كل شي صُورَتَهُ وَشَكْلَهُ الَّذِي يُطَابِقُ الْمَنْفَعَةَ الْمَنُوطَةَ بِهِ، عَلَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ عَلَى مَا يَأْتِي. (ثُمَّ هَدى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والسدي: أعطى كل شي زَوْجَهُ مِنْ جِنْسِهِ، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى مَنْكَحِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَسْكَنِهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالْمُنَاكَحَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة: أعطى كل شي صَلَاحَهُ، وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْطَى كل شي صورة، لم يَجْعَلْ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فِي خَلْقِ الْبَهَائِمِ، وَلَا خَلْقَ الْبَهَائِمِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ خَلَقَ كل شي فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَهُ فِي كُلِّ شي خِلْقَةٌ ... وَكَذَاكَ اللَّهُ مَا شَاءَ فَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute