للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (. وَقَدْ جَاءَتْ جُمُوعٌ عَلَى غَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ وَاحِدُهَا، وَقِيَاسُهُ النَّصْرَانِيُّونَ. ثُمَّ قِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَرْيَةٍ تُسَمَّى" نَاصِرَةَ" كَانَ يَنْزِلُهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَقِيلَ: عِيسَى النَّاصِرِيُّ، فَلَمَّا نُسِبَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ قِيلَ النَّصَارَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَنَصْرَانُ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا النَّصَارَى، وَيُقَالُ نَاصِرَةٌ. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُصْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

لَمَّا رَأَيْتُ نَبَطًا أَنْصَارًا ... شمرت عن ركبتي الإزار

كُنْتُ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى جَارَا

وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:" مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ" [آل عمران: ٥٢]. الرباعة- قوله تعالى: (وَالصَّابِئِينَ) جمع صَابِئٍ، وَقِيلَ: صَابٍ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَمْزِهِ، وَهَمَزَهُ الْجُمْهُورُ إِلَّا نَافِعًا. فَمَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ من صبأت النجوم إذا طلعت، وصابت ثَنِيَّةُ الْغُلَامِ إِذَا خَرَجَتْ. وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ جَعَلَهُ مِنْ صَبَا يَصْبُو إِذَا مَالَ. فَالصَّابِئُ فِي اللُّغَةِ: مَنْ خَرَجَ وَمَالَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ أَسْلَمَ قَدْ صَبَأَ. فَالصَّابِئُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ. الْخَامِسَةُ- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ وَلِأَجْلِ كِتَابِهِمْ جَازَ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَأَكْلُ طَعَامِهِمْ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَائِدَةِ «١» - وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي، سُورَةِ" بَرَاءَةَ" «٢» إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَةِ نِسَائِهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُمْ قَوْمٌ يُشْبِهُ دِينُهُمْ دِينَ النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّ قِبْلَتَهُمْ نَحْوُ مَهَبِّ الْجَنُوبِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: هُمْ قَوْمٌ تَرَكَّبَ دِينُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَقْرَءُونَ الزبور ويصلون الخمس، رآهم زياد


(١). راجع ج ٦ ص ٧٦.
(٢). راجع ج ٨ ص ١١٠.