للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) يُرِيدُ مَدَائِنَ كَانَتْ بِالْيَمَنِ. وَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْأَخْبَارِ: إِنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ حَضُورَ «١» وَكَانَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ اسْمُهُ شُعَيْبُ بْنُ ذِي مَهْدَمٍ، وَقَبْرُ شُعَيْبٍ هَذَا بِالْيَمَنِ بِجَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ضَنَنُ «٢» كَثِيرُ الثَّلْجِ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ صَاحِبِ مَدْيَنَ، لِأَنَّ قِصَّةَ حَضُورَ قَبْلَ مُدَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَبَعْدَ مِئِينَ مِنَ السِّنِينَ مِنْ مُدَّةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ وَقَتَلَ أَصْحَابُ الرَّسِّ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ نَبِيًّا لَهُمُ اسْمُهُ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ حَضُورُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلى أرميا أن ايت بخت نصر فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْتُهُ عَلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأَنِّي مُنْتَقِمٌ بِكَ مِنْهُمْ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَرْمِيَا أَنِ احْمِلْ مَعْدَ بْنَ عَدْنَانَ عَلَى الْبُرَاقِ إِلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ، كَيْ لَا تُصِيبَهُ النِّقْمَةُ وَالْبَلَاءُ مَعَهُمْ، فَإِنِّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيًّا فِي آخِرِ الزَّمَانِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، فَحَمَلَ معد وهو ابن اثنتي عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ كَبِرَ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً اسْمُهَا مُعَانَةَ، ثُمَّ إن بخت نصر نَهَضَ بِالْجُيُوشِ، وَكَمَنَ لِلْعَرَبِ فِي مَكَانٍ- وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْمَكَامِنَ فِيمَا ذَكَرُوا- ثُمَّ شَنَّ الْغَارَاتِ عَلَى حَضُورَ فَقَتَلَ وَسَبَى وَخَرَّبَ الْعَامِرَ، وَلَمْ يَتْرُكْ بِحَضُورَ أَثَرًا، ثُمَّ انْصَرَفَ راجعا إلى السواد. و" كَمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ"- قَصَمْنا". وَالْقَصْمُ الْكَسْرُ، يُقَالُ: قَصَمْتُ ظَهْرَ فُلَانٍ وَانْقَصَمَتْ سِنُّهُ إِذَا انْكَسَرَتْ وَالْمَعْنِيُّ بِهِ هَاهُنَا الْإِهْلَاكُ. وَأَمَّا الْفَصْمُ (بِالْفَاءِ) فَهُوَ الصَّدْعُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ، قَالَ الشَّاعِرُ: «٣»

كَأَنَّهُ دُمْلُجٌ مِنْ فِضَّةٍ نَبَهٌ ... فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذَارَى الْحَيِّ مَفْصُومُ

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (فَيُفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا). وَقَوْلُهُ:" كانَتْ ظالِمَةً" أَيْ كَافِرَةً، يَعْنِي أَهْلَهَا. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُمْ وَضِعُوا الْكُفْرَ مَوْضِعَ الْإِيمَانِ. (وَأَنْشَأْنا) أَيْ أَوْجَدْنَا وَأَحْدَثْنَا بَعْدَ إِهْلَاكِهِمْ (قَوْماً آخَرِينَ). (فَلَمَّا أَحَسُّوا) أَيْ رَأَوْا عَذَابَنَا، يُقَالُ: أَحْسَسْتُ مِنْهُ ضَعْفًا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:" أَحَسُّوا" خَافُوا وَتَوَقَّعُوا. (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) أَيْ يَهْرُبُونَ وَيَفِرُّونَ. وَالرَّكْضُ العدو بشدة الوطي. والركض


(١). وتروى حضوراء (بالألف الممدودة) وفي ح الجمل بوزن شكور.
(٢). كذا في الأصول: الأب ففيه ضئن كثير الملح صححه في الهامش.
(٣). هو ذو الرمة يذكر غزالا شبهه وهو نائم بدملج فضة قد طرح ونسى. ونبه: أي منسى نسيته العذارى في الملعب.